فاطمة إبراهيم
بعد مرور خمس سنوات على قرار تحرير سعر صرف الجنيه، ماذا جنت مصر من هذا القرار فى ضوء تقييم برنامج الإصلاح الاقتصادى؟
كان البنك المركزى فى الثالث من نوفمبر عام 2016 قد قرر تعويم الجنيه ليتحدد سعره وفقا لآلية العرض والطلب فى السوق، دون تدخل منه فى تحديد سعره، وهو القرار الذى أكد المصرفيون أنه تأخر لعقود طويلة حملت الدولة أعباء مالية كبيرة لدعم الدولار مقابل الجنيه، مشيرين إلى أن هذا القرار كان يحتاج إلى دعم سياسى لجرأته، وهو ما قامت به القيادة السياسية الحالية.
وأضاف المصرفيون لـ “الإيكونوميست المصرية” أن قرار تحرير سعر صرف الدولار ساعد على ضبط منظومة أسعار صرف الجنيه، وتحسن أدائه ليتصدر أفضل العملات الناشئة أمام الدولار، كما دعم قدرة الدولة على مواجهة الأزمات والتحولات الجذرية التى طرأت على الاقتصاد العالمى، ما جعله محل إشادة من قِبل المؤسسات الدولية المعنية ومحط ثقة للمستثمرين.
وفى هذا الصدد، نشر المركز الإعلامى لمجلس الوزراء تقريرا سلط الضوء على نجاح أهم خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادى بشهادة المؤشرات الاقتصادية وتقارير المؤسسات الدولية، فضلا عن مواصلة الجنيه المصرى حصد المكاسب وسط توقعات دولية باستمرار أدائه القوى أمام العملات الأجنبية، وذلك بعد مرور 5 سنوات على قرار تحرير سعر الصرف.
ورصد التقرير شهادة ثقة من المؤسسات الدولية على نتائج سياسة تحرير سعر الصرف وانعكاساتها على تحسن مصادر النقد الأجنبى، لافتا إلى توقعات صندوق النقد الدولى للإيرادات السياحية وذلك بـ 8 مليارات دولار عام 2021/2022، و15 مليار دولار عام 2022/2023، و20.8 مليار دولار عام 2023/2024، و25.1 مليار دولار عام 2024/2025.
يأتى هذا فيما توقع الصندوق أن تسجل إيرادات قناة السويس 6.6 مليار دولار عام 2021/2022، و6.9 مليار دولار عام 2022/2023، و7.3 مليار دولار عام 2023/2024، و7.6 مليار دولار عام 2024/2025.
وأكد الصندوق أن تحرير سعر الصرف أدى إلى القضاء على أزمة نقص العملات الأجنبية وساهم فى إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبى إلى أعلى مستوياتها، الأمر الذى ساعد على دخول مصر أزمة كورونا بمخزون وقائى كاف.
كما ذكر الصندوق أن السياسات المالية والنقدية التى تم اتباعها تستمر فى دعم تعافى الاقتصاد المصرى، مشيرا إلى أن تعميق وتوسيع تلك الإصلاحات الهيكلية أمر ضرورى لمواجهة تحديات ما بعد جائحة كورونا وإطلاق العنان لإمكانات مصر الاقتصادية.
وأورد التقرير كذلك توقعات البنك الدولى بأن يسجل الاستثمار الأجنبى المباشر كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى 1.7% عام 2021/2022، و1.9% عام 2022/2023، كما توقع تحسن عائدات قناة السويس مع عودة التجارة العالمية، وانتعاش السياحة وزيادة صادرات الغاز المصرى جنبا إلى جنب مع زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الوافدة إلى قطاع الصناعات الاستخراجية.
وتوقع التقرير أن يسجل إجمالى الاحتياطيات الدولية 43.7 مليار دولار عام 2021، و47.6 مليار دولار عام 2022، و51 مليار دولار عام 2023، وأن يظل سعر الصرف مستقرا بصورة كبيرة خلال عام 2022، بينما على مستوى القطاع الخارجى سيتقلص عجز الحساب الجارى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى بصورة كبيرة من 4.4% عام 2021 إلى 2.4% بحلول عام 2026.
وفى سياق متصل، جاءت توقعات بنك “بى إن بى باريبا” BNP Paribas لعجز الحساب الجارى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى بـ 4.2% عام 2020/ 2021 مقارنة بـ 2.8% عام 2021/2022، بينما أوضح أن مستويات السيولة بالعملات الأجنبية استقرت نتيجة زيادة تحويلات المصريين بالخارج وانخفاض قيمة الواردات.
من جانبه، أشاد طارق متولى نائب العضو المنتدب ببنك بلوم مصر سابقا بجرأة وقوة القيادة السياسية الحالية لدعم قرار تعويم الجنيه، واصفا القرار بأنه قرار سياسى واقتصادى.
وأضاف متولى أنه بعد مرور خمس سنوات على قرار تحرير سعر الصرف الذى اتخذ فى الثالث من نوفمبر 2016، نستطيع القول: إنه ساهم فى تحقيق العديد من المكاسب، من بينها القضاء على السوق السوداء للعملة، وإتاحة الدولار لمن يحتاج إليه، وساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى الطاقة والغاز وغيرهما، وغير المباشرة فى أدوات الدين متمثلة فى أذون الخزانة والسندات الحكومية حتى سجَّلت فى أغسطس الماضى نحو 33 مليار دولار.
وتابع نائب العضو المنتدب ببنك بلوم مصر سابقا أنه بدون استقرار سوق الصرف لم نكن لنتمكن من تحقيق معدلات النمو الحالية، وكذلك ارتفاع الاحتياطى النقدى الذى سجل نحو 40.8 مليار دولار، ومعدلات التضخم التى كانت قد انخفضت إلى 4% بعد أن وصلت إلى 33%.
وقال متولى إنه رغم ارتفاع أسعار السلع بعد قرار تحرير سعر الصرف، فإن هذا القرار الصائب ساعد على عودة السياحة، وارتفاع معدلات التصدير، وسداد الالتزامات الخارجية بالكامل وارتفاع معدلات النمو المحققة، والقضاء على أىِّ اختناقات فى سوق العملة.
وذكر نائب العضو المنتدب ببنك بلوم مصر سابقا أن قرار تحرير سعر صرف الجنيه وما نتج عنه من ثمار إيجابية ساهم فى تجاوز أزمة كورونا بأقل خسائر ممكنة، حتى أن سوق الصرف ظلت منتظمة لمدة خمس سنوات على الرغم من نقص إيرادات السياحة التى بلغت نحو 15 مليار دولار.
ولوح متولى إلى أن كل المؤسسات الدولية أشادت بقرار تعويم الجنيه، وبرنامج الإصلاح الاقتصادى وما ترتب عليه من تحسين مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال وتنافسية التصدير وتنويع وتطوير أنماط الإنتاج المحلى وزيادة تدفقات النقد الأجنبى، الأمر الذى انعكس إيجابيا على ضبط منظومة أسعار صرف الجنيه، وتحسن أدائه ليتصدر أفضل العملات الناشئة أمام الدولار.
فيما قال كرم سليمان رئيس قطاع المعاملات الدولية بالبنك الأهلى المصرى سابقا إنه بعد خمس سنوات من اتخاذ قرار تحرير سعر صرف الدلار يمكن القول: إن صانع قرار التعويم كان لديه الشجاعة الكافية لتحمل تبعات القرار، مشيرا إلى أنه طوال العهود السابقة كانت الحكومة تدعم الدولار أمام الجنيه بما يكلف الدولة ملايين الدولارات.
وأضاف أنه لأول مرة نصل إلى السعر العادل للدولار أمام الجنيه، ولكن قبل أن نصل لهذه القيمة كانت الموارد الدولارية تهرب خارج القطاع المصرفى لبيعها فى السوق الموازية للعملة، حيث كانت تحويلات المصريين فى الخارج لا تتم عبر الجهاز المصرفى، وكذلك شركات السياحة كانت تحتفظ بجزء من مواردها الدولارية خارج البنوك، كما كانت شركات التصدير تحتفظ بجزء من حصيلة الصادرات خارج القطاع المصرفى.
وأظهر تقرير مجلس الوزراء زيادة تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 83.6%، حيث سجلت 31.4 مليار دولار فى 2020/2021مقارنة بـ 17.1 مليار دولار فى 2015/2016، وأيضا زادت الإيرادات السياحية بنسبة 28.9% لتسجل 4.9 مليار دولار فى 2020/2021 مقارنة بـ 3.8 مليار دولار فى 2015/2016.
وأضاف التقرير أن إيرادات قناة السويس زادت بنسبة 13.7%، حيث سجلت 5.8 مليار دولار فى 2020/2021 مقارنة بـ 5.1 مليار دولار فى 2015/2016، وكذلك زادت قيمة الصادرات المصرية بنسبة 59.3%، لتسجل 34.4 مليار دولار فى 2020/2021 بعدما سجلت 21.6 مليار دولار فى 2015/2016.
ونوه سليمان إلى أنه كانت تتم المضاربة على الدولار لتحقيق أعلى مكاسب، فضلا عن التحايلات الكثيرة التى قام بها العديد من عملاء البنوك لشراء الدولار بالسعر الرسمى لإتمام عمليات غير حقيقية وبيعه فى السوق الموازية لتحقيق مكاسب نتيجة فرق الأسعار.
ولفت إلى أنه بمجرد تحرير سعر صرف الجنيه بدأت التدفقات النقدية للاستثمار فى أدوات الدين المحلية، نظرا لسهولة دخول العملة الأجنبية وخروجها، وكذلك بدأت الاستثمارات الأجنبية المباشرة تضخ فى السوق المصرية سواء شركات الطيران أو البترول نتيجة زيادة موارد الدولار من تحويلات المصريين فى الخارج والسياحة والصادرات وغيرها بما يحقق فائضا من الدولار يمكننا من سداد التزاماتنا.
وأضاف رئيس قطاع المعاملات الدولية بالبنك الأهلى المصرى سابقا أن قرار التعويم ساهم أيضا فى إعادة بناء الاحتياطى النقدى الذى بلغ 14 مليار دولار ليصل إلى 46 مليار دولار والذى تراجع نتيجة انتشار فيروس كورونا ثم بدأ فى إعادة بناء نفسه مرة أخرى ليسجل 40.8 مليار دولار.
وأوضح تقرير مجلس الوزراء أن سياسة تحرير سعر الصرف تؤتى ثمارها متمثلة فى ارتفاع مصادر النقد الأجنبى، لافتا إلى زيادة صافى الاحتياطيات الدولية بنسبة 108.2%، حيث سجلت 40.8 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2021 مقارنة بـ 19.6 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2016.
وقال إن قرار التعويم رفع التصنيف الائتمانى لمصر، ومكَّننا من تغيير استراتيجية الدين، حيث ساعد على تحويل الديون قصيرة الأجل إلى ديون طويلة الأجل، وبذلك قلَّ الضغط على الجنيه نتيجة عدم وجود التزامات عاجلة بما يحافظ على العملة، ويقوى ويدعم الاحتياطى النقدى.
