محمد فاروق
تتوالى الضربات الموجعة على الاقتصاد العالمى منذ نحو ثلاث سنوات الواحدة تلو الأخرى، مما أدى إلى هذا الوضع الحالى المتأزم الذى تعانى منه كل الدول بلا استثناء.
ففى نهاية 2019، ظهر فى الصين فيروس كوفيد-19 الذى سرعان ما اجتاح العالم كله فى 2020 وتسبب فى الإغلاق الكامل وأصاب الاقتصاد العالمى بالركود، وما إن تم اكتشاف اللقاح المضاد للفيروس وبدأت الشعوب تتنفس الصعداء حتى نشبت الحرب الروسية الأوكرانية التى أربكت جميع الحسابات وألقت بالاقتصاد العالمى فى دوامة عدم الاستقرار نظرا لما تمثله هذه المنطقة من مصدر حيوى للعالم كله للطاقة والمواد الخام والمواد الغذائية، ولأن المصائب لاتأتى فرادى؛ فهاهو الاقتصاد الأمريكى يصاب بمعدلات تضخم عالية لم يشهدها منذ نحو أربعين عاماً ولمواجهته قام الفيدرالى الأمريكى برفع الفائدة بشكل متتال مؤكدا الاستمرار فى ذلك حتى نهاية العام الجارى، ليتسبب ذلك فى هروب أموال المستثمرين الأجانب التى تسمى بالأموال الساخنة من دول العالم وخاصة الاقتصادات الناشئة، التى منها مصر، والتوجه نحو أمريكا.
كل ذلك أدى إلى ما نعيشه هذه الأيام من اضطربات فى الأسواق العالمية بصفة عامة، وتوتر وارتفاع فى الأسعار وتراجع فى قيمة الجنيه فى مصر بصفة خاصة.
إلا أن الصورة بالنسبة لمصر ليست قاتمة كما يتخيلها البعض أو كما يصدرها آخرون، فهذا الوضع العالمى غير المستقر كما له من تهديدات له أيضا العديد من الفرص بشرط السعى لاقتناصها بل وخلقها بالعمل خارج الصندوق.
فتراجع قيمة الجنيه كما أصاب المواطنين بارتفاع الأسعار وتراجع قيمة مدخراتهم، إلا أنه فى الوقت نفسه له مزايا تنافسية فى التصدير والسياحة.
فما حدث فى السنوات القليلة الماضية، سوف يغير الخريطة الاقتصادية العالمية، ومصر عليها التوجه فورا اليوم قبل غد للتصنيع، فهى الملاذ الآمن لنا جميعا والدرع الواقى من تلك التقلبات.
فأول وأكثر الفرص القادرة على إنقاذ مصر من دوامة التوترات العالمية هو زيادة “التصدير” والحد من “الاستيراد”، وذلك من خلال التصنيع وإدخال قيمة مضافة على المواد الخام وعدم تصديرها كما هى، فهذا سيضمن لنا توفير العملات الصعبة، وفى الوقت نفسه سيوفر من فاتورة الواردات إلى جانب أن التصنيع سيحمينا من تقلبات ندرة الإمدادات الخارجية سواء مواد غذائية أو المواد اللازمة للإنتاج.
الفرصة الثانية هى السياحة خاصة أن معظم دول أوروبا ستشهد الفترة القادمة ارتفاعا حادا فى أسعار مواد الطاقة، نظرا لتوقف روسيا عن إمدادها بالغاز، وبالتالى سيؤدى ذلك إلى ارتفاع فى أسعار كل شىء هناك، وهذه هى فرصة حقيقية لمصر لجذب أعداد ضخمة من سائحى العالم وأيضا مواطنى أوروبا لقضاء أطول فترة ممكنة فى مصر حتى يتجاوزا تلك الفترة مرتفعة الأسعار فى بلادهم.
وتوقف روسيا عن إمداد أوروبا بالغاز، منح مصر فرصا إضافية، حيث ستقوم مصر بتصدير كميات إضافية من الغاز لأوروبا، وليس ذلك فقط بل إن حركة ناقلات النفط المتجهة من دول الخليج لأوروبا عبر قناة السويس ستنتعش الفترة القادمة، إلى جانب خطوط أنابيب الطاقة التى تمر بمصر إلى أوروبا.
الاقتصاد العالمى يتغير والخريطة الاقتصادية يعاد رسمها حاليا، ومن يستطيع اغتنام الفرص سيستفيد من تلك الأوضاع الجديدة، أما من سيقف مكانه فسيتراجع ولن يحافظ حتى على مكانه القديم.