سمو الأمير/ محمد بن سلمان
ولى عهد المملكة العربية السعودية رئيس مجلس الوزراء
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أود أولاً أن أرحب بكم فى مصر، هنا فى مدينة شرم الشيخ التى تستضيف قمة تنفيذ تعهدات المناخ، كما تستضيف على مدار أسبوعين قادمين الدورة الـ ٢٧ لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، والتى نتطلع لأن تخرج بنتائج شاملة وقوية تساهم فى تعزيز عمل المناخ العالمى على كافة المستويات.
والحقيقة أنه عندما طرح على سمو ولى عهد المملكة العربية السعودية منذ بضعة أشهر فكرة عقد القمة الثانية لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر هنا فى شرم الشيخ بالتزامن مع قمة المناخ وكأحد فعالياتها، فلقد رأيت أنها ستعد فرصة مواتية لتسليط المزيد من الضوء على هذه المبادرة المهمة التى أتى إطلاقها منذ نحو عام من اليوم ليعالج أحد الجوانب الضرورية فى عمل المناخ فى عالمنا العربى وفى منطقة الشرق الأوسط والتى تعانى أكثر من غيرها من الآثار السلبية لتغير المناخ على جودة الأراضى الزراعية وخصوبة التربة، فضلاً عن الارتفاع المضطرد فى درجات الحرارة وندرة المياه والجفاف.
ولعل العدد الكبير من الدول التى انضمت إلى المبادرة منذ إطلاقها لهو دليل على الجدية التى توليها دولنا فى المنطقة العربية لجهود مواجهة تغير المناخ؛ سواء على صعيد خفض الانبعاثات والتحول نحو الطاقة المتجددة، أو على صعيد اتخاذ إجراءات فعالة للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، وهما جانبان يمثلان جوهر هذه المبادرة؛ ففى مصر على سبيل المثال استطعنا القيام بخطوات واسعة فى إطار التحول نحو الطاقة المتجددة، سواء الطاقة الشمسية أو الرياح أو الهيدروجين، ونقوم فى الوقت الراهن بتدشين مشروعات طموحة فى مجال النقل النظيف. وعلى صعيد التكيف استطاعت مصر تحقيق نجاحات ملموسة فى الإدارة المستدامة للموارد المائية وتتضمن وثيقة مساهماتها المحددة وطنيا المحدثة وفقا لاتفاق باريس عددا من الأهداف الطموحة للتكيف فى قطاعات الزراعة وحماية المناطق الساحلية والتنمية الحضرية المستدامة.
ومثلما هو الأمر فى مصر، تقوم سائر دول منطقتنا العربية ببذل جهود مشابهة فى هذا الإطار، ولعل استضافة منطقتنا لمؤتمرى أطراف تغير المناخ العام الراهن فى مصر والعام القادم فى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة هو خير دليل عن الدور الذى باتت دولنا تضطلع به على صعيد عمل المناخ العالمى والتزامها بتنفيذ تعهداتها.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
رغم التحديات الاقتصادية التى تواجه كافة دول العالم حالياً، والتوترات السياسية الدولية اتصالاً بالأزمة فى أوكرانيا وغير ذلك من تحديات… فإن مؤتمرنا اليوم يمثل فرصة سانحة لالتفاف قادة دول العالم وقيادات القطاعات الاقتصادية وكبريات مؤسسات التمويل الدولية وغيرهم من الشركاء فى هذا الجهد حول هدف مشترك لا خلاف عليه، ألا وهو حتمية التحرك العاجل والناجز والفعال للتصدى لتحدى تغير المناخ، فالكل يدرك أن الوقت ليس فى صالحنا، وأن الفجوات فى خفض الانبعاثات…وفى إجراءات التكيف… وفى توفير آليات ووسائل التنفيذ وعلى رأسها تمويل مناخ، تحتاج إلى تعامل سريع وإلى إجراءات تنفيذية على أرض الواقع… ومن هنا فإننا على ثقة أن كافة المشاركين فى مؤتمرنا هذا العام بشرم الشيخ يدركون حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم، وحجم التوقعات التى تعول مجتمعاتنا فى كل مكان على الوفاء بها من خلال مخرجات هذا المؤتمر.. ومن جانبنا كرئاسة لمؤتمر الأطراف فإننا لم ندخر جهدا فى توفير كل متطلبات عقد المؤتمر تنظيميا وإجرائيا وبما يكفل أوسع مشاركة ممكنة لكل الأطراف الحكومية وغير الحكومية، كما بذلنا ولا نزال كل الجهد لتقريب وجهات النظر حول جميع القضايا الموضوعية الخلافية لتيسير توصل الأطراف المختلفة لنقطة التقاء وتوافق تسمح بخروج المؤتمر بمخرجات عملية فعالة ترضى الطموحات وتستجيب لتوقعات الشعوب فى كل بقاع الأرض.
واتصالاً بما تقدم… واتساقا مع ما حرصت مصر على تأكيده من أن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة التنفيذ على أرض الواقع، فإن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر تمثل فرصة ممتازة لتعزيز التعاون بين أعضائها من الدول بهدف حشد المزيد من الاستثمارات وتوفير آليات جديدة للتمويل المبتكر لدعم المشروعات التى تقوم بها دولنا لمواجهة تغير المناخ، بالتنسيق مع مؤسسات التمويل العربية والإقليمية التى تضطلع بدور هام فى هذا الإطار، كما تمثل المبادرة إطارا مناسبا لتعزيز التعاون التقنى والربط بين مراكز الأبحاث فى الدول الأعضاء لتحقيق التكامل بين البرامج البحثية والتطبيقية المتعلقة بتكنولوجيا مواجهة تغير المناخ.
ومن هذا المنطلق، فإننى أدعوكم اليوم خلال اجتماعنا هذا إلى طرح أفكار مبتكرة ومقترحات بناءة تساهم فى تعزيز عمل المناخ فى دولنا فى سياق مبدأ “التنفيذ” الذى نجتمع فى إطاره، وإننى لعلى ثقة أن ما سيخرج عن اجتماعنا اليوم من نتائج سيعبر عن استمرار التزامنا بعمل المناخ على كافة المستويات لصالح الأجيال القادمة فى المنطقة العربية وفى العالم أجمع.
أشكركم وأتوجه بالشكر مرة أخرى إلى سمو ولى العهد، وأتطلع إلى نقاش مثمر وفعال.