بقلم: محمد فاروق
تواصل الصين زحفها بقوة نحو اعتلاء عرش الاقتصاد العالمى، فهى تحتل الآن المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وإن كانت أمريكا مازالت الأقوى رغم الصعوبات التى يواجهها اقتصادها، فإن الصين تنطلق بسرعة فائقة فى المجالات المختلفة، ولكى ندرك مدى تلك السرعة يكفينا أن نعرف أن الناتج المحلى الإجمالى للصين فى عام 2001 كان 1.34 تريليون دولار فقط، وأصبح 17.73 تريليون دولار عام 2021، ملاحقا أمريكا التى بلغ الناتج المحلى الإجمالى لها 23.32 تريليون دولار عام 2021.
أوروبا نفسها بما فيها من الدول الصديقة والحليفة لأمريكا صارت تدرك أن العالم يتجه شرقا نحو الصين، وبالفعل قامت هى الأخرى بذلك، فها هو الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يزور الصين ويصرح من هناك بأنه يجب ألا تكون أوروبا تابعة لأمريكا، وهو التوجه الذى ترجحه دول الاتحاد الأوروبى حاليا.
الصين تتميز بعمالة ماهرة مدربة وفى الوقت نفسه رخيصة الأجر، مما يجعلها مصدر جذب للاستثمارات الأجنبية.
وعلى مستوى التقدم التكنولوجى، فحدث ولا حرج، فالصين تتصدر التصنيف العالمى من خلال امتلاكها 40% من براءات الاختراع الأساسية لتكنولوجيا شبكات اتصالات الجيل الخامس “5G”، كما أنها تواصل قفزاتها فى مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والحاسبات والشبكات والاتصالات.
والصين أكبر دولة مصدرة للأجهزة الإلكترونية والأدوات الكهربائية والسيارات والأجهزة الطبية والملابس.
وتعد الصين أكبر شريك تجارى لكثير من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة بحجم تبادل تجارى تخطى الـ 400 مليار دولار أمريكى عام 2022، ويميل الميزان التجارى بين الصين وأمريكا بشدة لصالح الصين.
وفى إطار رغبتها فى مد جسور الصلة مع الدول المحيطة، تجاهد الصين لإحياء طريق الحرير الأصلى القديم لتربط تجارتها بدول آسيا وأفريقيا وأوروبا من خلال البر والبحر.
وفى ظل سعيها للمنافسة الاقتصادية، لا تغفل الصين الجانب العسكرى حيث رفعت ميزانيتها العسكرية لعام 2023. وسرعة التطور العسكرى للصين تفوق أمريكا، مما يثير قلق الولايات المتحدة.
ويحتل الجيش الصينى المرتبة الثالثة على مستوى أقوى جيوش العالم بعد أمريكا وروسيا، وهو الأكبر عددا حيث يصل إلى 1.6 مليون جندى، والثانى من حيث الميزانية بعد الولايات المتحدة، والصين تمتلك أكبر عدد للسفن الحربية بواقع 730 وحدة بحرية، كما تنطلق الصين بقوة فى التسلح النووى حيث تمتلك حاليا 350 رأسا نووية ومن المتوقع أن يصل هذا العدد قبل عام 2035 إلى 1500 رأس نووية.
وعلى المستوى السياسى، أصبحت الصين لاعبا محوريا بارزا، ففى الفترة الأخيرة تبنت واستضافت المفاوضات بين السعودية وإيران وبالفعل نجحت فى إعادة العلاقات بين البلدين، كما أن الصين تواصل دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة بين البلدين.
ولا يقف الطموح الصينى عند حدود كوكب الأرض، بل يمتد ليصل إلى الفضاء، حيث تمتلك محطة فضاء دائمة تدعى “تيان جونج” لتزاحم أمريكا وروسيا فى هذا المجال.
إلا أن الصين تواجه مشكلة ارتفاع أعمار سكانها وذلك بعد سنوات طويلة حاربت فيها الزيادة السكانية، لتتراجع معدلات الإنجاب حاليا، كما تواجه الصين مشكلة خاصة بالوضع فى تايوان التى ترفض الانصياع والانصهار داخل الدولة الصينية إلى جانب تقاربها مع الولايات المتحدة، كما يؤرق الصين الاستقرار الهش فى شبه الجزيرة الكورية والمهدد بالانهيار فى أى لحظة مما قد يتسبب فى عدم استقرار المنطقة كلها مما يؤثر بالسلب على الاقتصاد الصينى نفسه.
وإذا أرادت الصين الاستمرار فى انطلاقها نحو الصدارة، فعليها إيجاد حلول لتلك المشكلات التى تؤرقها والتى قد تكون الباب الخلفى لاختراقها، وإن كانت كل المؤشرات تبين أن الطموح الصينى الجامح لن تستطيع أية دولة اعتراض طريقه.