الإيكونوميست المصرية
د. داليا الجارحى: مصر لديها القدرة على تحقيق انطلاقة صناعية كبرى

د. داليا الجارحى: مصر لديها القدرة على تحقيق انطلاقة صناعية كبرى

حوار: أشرف الليثى

رغم صغر سنها، فإنها تمتلك رجاحة عقل وعزيمة جبارة لتحقيق النجاح فى أى عمل يُسند إليها، ولم تكتف بأنها كريمة واحد من أهم رجال صناعة الصلب فى مصر جمال الجارحى؛ بل تحرص كل الحرص على أن تغوص فى أعماق صناعة الزجاج والبلور لتتعرف على كل صغيرة وكبيرة فى تلك الصناعة خاصة بعدما تولت مسئولية رئاسة الشركة الوطنية للزجاج والبلور، وفى أقل من عام أصبح لديها رؤية شاملة لكيفية تطوير نشاط تلك الشركة الرائدة بل والحرص على إنشاء مصنع جديد يخصص إنتاجه للتصدير وتلبية احتياجات السوق العالمية من منتجات الزجاج التى أثبتت الدراسات أنها صناعة واعدة وستحل محل صناعات عديدة للحفاظ على البيئة. تلك هى الدكتورة داليا الجارحى خريجة الأكاديمية البحرية إدارة أعمال، والتى عملت بعد تخرجها فى بورصة الأوراق المالية ثم التحقت بشركة صلب مصر.
واستمرت فى الدراسات العليا الأكاديمية حتى حصلت على الماجستير ثم الدكتوراه، وأخيرا استقر بها المقام لرئاسة مجلس إدارة الشركة الوطنية للزجاج والبلور بمدينة العاشر من رمضان بعدما تم استحواذ شركة الجارحى عليها.
وإلى نص الحوار:

· كيف تم استحواذ شركة الجارحى للصلب على شركة للزجاج خارج نطاق نشاط الشركة تماما؟
الشركة الوطنية للزجاج كانت مملوكة لمصرف أبو ظبى الإسلامى، وعند طرحها للبيع كانت بالنسبة لنا مجرد صفقة وتمت دراستها بعناية من جانب مجلس إدارة شركة حديد الجارحى، وقررنا الدخول فيها والاستحواذ عليها وتمت عملية الاستحواذ رسميا فى يونيو 2022، وفى هذا الوقت كانت سوق الحديد تعانى من بعض المشاكل، ففكرنا فى تنوع أنشطتنا وفكرنا فى الاستثمار فى البورصة أو فى بعض الأنشطة الأخرى، وأخيرا كان الاستقرار على اقتحام سوق الزجاج لأننا نرى أن تلك الصناعة واعدة وبها فرص استثمارية كبيرة خاصة مجال التصدير وعندما درسنا الموضوع من عدة جوانب وجدنا أنه يلبى احتياجاتنا فى هذه المرحلة سواء من حيث العائد المادى أو زيادة فرص التصدير وتوفير جانب من العملات الأجنبية فى ظل معاناة البلد من شح تلك العملات وكان قرار الاستحواذ على الشركة التى تقع فى العاشر من رمضان على مساحة 75 ألف متر مربع.

· بناء على الدراسة التى قمتم بها للشركة الوطنية للزجاج والبلور، ما المزايا التى شجعتكم لإتمام تلك الصفقة؟
الشركة تم تأسيسها عام 1986، وبالتالى لها تاريخ فى سوق الزجاج واسمها فى السوق جيد ولكن شهدت إخفاقات عديدة بسبب أخطاء إدارية من جانب من تولوا مسئوليتها فى السابق رغم أن منتجات الشركة تتميز بالجودة وذات سمعة جيدة وتعتبر “براند”، وبمجرد استحواذنا على الشركة أعددنا دراسة كاملة عنها لمعرفة أسباب إخفاقها وأفضل الوسائل لعلاجها مع مراعاة أننا لا نريد تغيير هوية الشركة الوطنية بل الحفاظ على اسمها والحفاظ على منتجاتها وتطويرها، واحترمت تاريخ الشركة وشجعنى على ذلك اعتزاز جميع العاملين فيها بانتسابهم إلى الشركة ومدى ارتباطهم الشديد بها ورغبتهم القوية فى النهوض بالشركة والنهوض من عثرتها، وأبدوا جميعا تقديم يد العون لنا واكتشفنا أن الشركة تضم خبرات مميزة من كافة المستويات بدءًا من العامل الصغير وحتى الاستشاريين وجميعهم بدأوا فى الشركة بل وتدربوا فيها خلال فترات دراستهم سواء فى كليات الهندسة أو المدارس الفنية الصناعية ثم تم تعيينهم بها وتدرجوا فى المناصب ولذلك لديهم ارتباط كبير بها؛ كل هذا كان بالنسبة لنا مزايا تتميز بها الشركة وربما لا تتوافر لدى شركات كثيرة فى مصر.
وتفرغت تماما لإدارة الشركة وكان دورنا القضاء على أى عائق يقف أمام انطلاقها وعودة اسمها بقوة إلى السوق وعودة منتجاتها بالجودة المعروفة والمشهورة بها وتحقيق المستهدف وطموحنا لتتعدى منتجاتها حدود مصر ونصدر إلى الأسواق الخارجية المختلفة.

 

 

 

 

 

بعد عام تقريبا منذ الاستحواذ وتولى مسئولية الشركة، ما أهم النتائج التى تحققت حتى الآن؟
كان رأسمال الشركة فى بداية الاستحواذ 150 مليون جنيه، نعمل الآن على زيادته ومضاعفته، وحصة الشركة الآن فى سوق الزجاج فى مصر 9% فى ظل منافسة قوية.
وتم تطوير شامل للمنظومه الإدارية فى الشركة وتم دعم المنظومة الفنية بمجموعه من أفضل المستشارين فى مصر.
وقمنا بتلبية احتياجات العملاء قدر المستطاع ونجحنا فى صيانه الماكينات محليا مما أدى الى تنويع المنتجات والحفاظ على فرص التصدير.
كل هذا أدى فى النهاية إلى تحول الموقف المالى لأول مرة منذ عقود إلى صافى أرباح.
وهناك دراسة نعمل عليها الآن لاستغلال أرض المصنع التى تبلغ 75 ألف متر مربع فى مدينة العاشر من رمضان من أجل إقامة مصنع آخر موازٍ للمصنع الحالى تخصص غالبية إنتاجه للتصدير وتلبية احتياجات الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى تطوير شامل للبنية التحتية للمصنع الموجود حاليا، وبدأنا فى دراسة استيراد أحدث الماكينات وتوفير كافة الاحتياجات الخاصة به وتوفير التمويل اللازم للمصنع الجديد وسوف نتقدم بالدراسة للبنوك من أجل الحصول على قرض لتمويله.
· ما أهم التحديات التى تواجه صناعة الزجاج فى مصر الآن؟
أهم تحدٍ تواجهه جميع الصناعات حاليا هو نقص العملة الأجنبية التى يتم من خلالها توفير مستلزمات الإنتاج أو المادة الخام مثل مادة “الصودا آشSoda Ash ” التى تحتاجها صناعة الزجاج والتى يتم استيرادها من عدة دول مثل تركيا التى تعتبر المورد الأساسى لها، وقد بدأت مصر فى تصنيع تلك المادة الآن باستثمارات ضخمة جدا تصل إلى 9.5 مليار جنيه فى مجمع العلمين للبتروكيماويات وهذا سيوفر كثيرا على مصانع الزجاج.

· ما المزايا التفضيلية التى تتوافر لدى مصر خاصة فى مجال صناعة الزجاج؟
مصر يتوافر بها عدة مزايا تفضيلية فى صناعة المنتجات الزجاجية مثل توافر الرمال بكافة أشكالها كما أن منتجاتنا لها تاريخ طويل وسمعة طيبة فى الأسواق الخارجية وجودتها مرتفعة علاوة على السعر التنافسى للمنتج المصرى والعامل المصرى المدرب وتوفير الطاقة التى تحتاجها مصانع الزجاج خاصة فى ظل معاناة دول العالم وتعرضها لأزمة الطاقة، كل هذا تتم ترجمته إلى منتج مصرى ذى جودة عالية وسعر تنافسى وسمعة طيبة من عشرات بل من مئات السنين.

· ما التطلعات المستقبلية لداليا الجارحى رئيس شركة الوطنية للزجاج؟
نتطلع لنجاح عمرة الماكينات الموجودة فى المصنع بالكامل والتى تصل تكلفتها إلى 8 ملايين دولار ليصل حجم الإنتاج إلى 46 ألف طن.
وإنشاء الفرن الجديد بأحدث المعدات واستغلال أرض المصنع والتى تبلغ 75 ألف متر مربع، وكذلك استهداف تصدير 80% من الإنتاج خاصة أن الدراسات التى قمنا بها للأسواق الخارجية كشفت لنا وجود فرص كثيرة الآن وفى المستقبل أيضا خاصة فى ظل اهتمام العالم بالبيئة والبعد عن ملوثات البيئة.
وسوف تصل التكلفة المبدئية للمصنع الجديد الذى نفكر فى إنشائه بجانب المصنع القديم فى العاشر من رمضان إلى 25 مليون دولار.

· هل هناك منتجات معينة سيتم التركيز عليها مستقبلا لاقتحام الأسواق الخارجية بها؟
نقوم الآن بدراسة خاصة لعدد من المنتجات التى سيتم إنتاجها فى المصنع الجديد ومراعاة احتياجات الأسواق الخارجية التى تتطور بشكل دائم وسريع وحتى نستطيع مسايرة هذا التطور بحيث نقدم منتجا متطورا ومصنوعا فى مصر لا يستطيع أحد منافستنا فيه.

· الأزمة الأخيرة التى يمر بها العالم أوضحت لنا مدى أهمية التصنيع والتصدير بالنسبة لأى اقتصاد، كيف ترين مستقبل التصنيع وتصدير المنتجات تامة الصنع فى مصر؟
الأزمة العالمية كانت درسا قاسيا لنا وتعلمنا منها أننا لابد أن يكون لنا تواجد فى السوق العالمية بمنتجات مصرية ذات جودة عالية تستطيع المنافسة فى الأسواق الخارجية، وقبل كل ذلك الاهتمام بالتصنيع والزراعة لتوفير الجانب الأكبر من احتياجاتنا.
وحقيقة منذ تولى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة مصر فإنه يعمل جاهدا فى هذا الإطار، وهناك مبادرات عديدة لتشجيع الصناعة والزراعة، ولكن للأسف هناك تباطؤ حتى الآن لتحقيق انطلاقة قوية فى التصنيع وتحاول الصناعة أن تتعافى بعد سنوات طويلة من الكسل والاعتماد على الخارج، ولكن لدىّ قناعة أن العجلة سوف تدور لأن الغمامة التى كانت تغشى أبصارنا قد زالت الآن بعدما استوعبنا الدرس القاسى، ولابد فى المرحلة القادمة من التركيز على الهدف الاستراتيجى القومى بزيادة صادراتنا وخفض وارداتنا وتوفير أكبر قدر من مستلزمات الإنتاج واستبدال المنتج الأجنبى بمنتج محلى عالى الجودة.

· هل من الممكن تحقيق الهدف الاستراتيجى لزيادة الصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار كما ذكره الرئيس السيسى؟
قولا واحدا؛ نستطيع أن نحقق هذا المستهدف ولدينا كافة المقومات الأساسية مثل الطاقة التى يفتقدها العديد من دول العالم والموارد البشرية والعوامل اللوجيستية، وموجود أيضا المصانع التى تستطيع مع إعادة تأهيلها أن تعمل بكفاءة، ولدينا كذلك المنتجات التى نستطيع أن نصدرها وتنافس فى الأسواق الخارجية على سبيل المثال المنتجات الزراعية التى تم تصنيعها على مدى العامين الأخيرين خلال أزمة كورونا ونجحنا فى تلبية احتياجات العديد من الأسواق حولنا مما جعلنا ننجح فى مضاعفة حجم صادراتنا من تلك المنتجات ونستطيع أن نزيد من إنتاجنا فى هذا المجال أيضا وما علينا سوى أن نضع أقدامنا على المسار الصحيح، ويكون لدينا التخطيط السليم والرؤية الواضحة والإنتاج الجيد ذو الجودة العالية والذى يستطيع أن ينافس فى الأسواق العالمية، وسيكون من السهل تحقيق أهدافنا والوصول إلى 100 مليار دولار صادرات بكل سهولة.

· هل الأسواق حولنا مازالت امتدادا طبيعيا للمنتجات المصرية أم علينا أن نخترق أسواقا جديدة؟ وما هى؟
المنتجات المصرية تستطيع أن تتواجد فى جميع الأسواق، والآن على الرغم من كل الظروف التى مرت بها مصر فإن منتجاتنا موجودة فى أسواق عديدة،
وليس هناك سوق لم تخترقها المنتجات المصرية، ولكن علينا أن نتعلم من الصين التى بها جميع مستويات الإنتاج التى تناسب غالبية الأسواق ومختلف الطبقات ومستويات الجودة المتعددة وكذلك الأسعار، ولذلك حققت المنتجات الصينية انتشارات واسعة.
وعلى سبيل المثال مصنع الزجاج الخاص بالشركة الوطنية، رغم أننا لسنا فى أفضل حالتنا والماكينات ليست على أفضل ما يكون فإننا نقوم الآن بتصدير منتجاتنا إلى ليبيا والعراق وسوريا والبرتغال، ولكن هذا ليس طموحنا، فمع تطوير الماكينات وتحديثها سيكون لدينا منتجات تنافسية نستطيع أن نتواجد بها فى الأسواق الأوروبية والأمريكية وهذه هى تطلعاتنا وأهدافنا المستقبلية، بحيث نستطيع تلبية كافة احتياجات الأسواق ومختلف الطبقات ولن يقتصر عملنا على طبقة class A فقط، وهذه هى الاستراتيجية التى أرى أن تصبح عليها كافة المنتجات المصرية مستقبلا.

· كيف ترين مستقبل الاقتصاد المصرى؟
مررنا بأزمات كبيرة وكثيرة وتجاوزناها، والأزمة الحالية ليست أزمة خاصة بمصر فقط بل هى أزمة عالمية والدليل أن هناك شركات كبرى عالمية أعلنت إفلاسها وخروجها من السوق؛ ففى ألمانيا على سبيل المثال، وهى الدولة الصناعية الكبرى، هناك عدد كبير من الشركات أغلقت أبوابها وأعلنت إفلاسها وتخلت عن موظفيها، ونحن فى مصر نقاوم وبشدة رغم صعوبة الأزمة والتحديات الكبيرة التى تواجه الاقتصاد المصرى خاصة ما يتعلق بأزمة الدولار والدليل أننا نتحرك ولم نستسلم، وإن كان هناك تباطؤ فى النمو، ولدىّ يقين أننا سوف نتجاوز تلك الأزمات لأننا أصبحنا ندرك أولوياتنا تماما وزالت عنا الغمامة التى كانت تغطى أعيننا وأصبح لدينا رؤية واضحة وتحديد أولويات للصناعة والزراعة كقاطرات حقيقية للاقتصاد.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *