محمد فاروق
حبا الله تعالى الإنسان بنعمة التفكر واختصه بها عن باقى المخلوقات، لذا صار لزاما علينا التدبر فى كل أمور حياتنا، وإلا لماذا تكررت كثيرا فى القرآن الكريم كلمات مثل “يتفكرون” و”يعقلون” و”يتدبرون”؟ فالتأمل فيما حولنا نعمة تنير بصيرتنا وترشدنا للصواب فى تصرفاتنا.
ولقد تأملت طويلا فيما أصاب الإنسان به نفسه مما يطلق عليه إمكانيات ورفاهية ومعدات حديثة وأدوات عصرية يعتقد أنه لم يعد يستطيع العيش بدونها والبعد عنها، لكن الحقيقة غير ذلك، فعند انقطاع الكهرباء – وبعيدا عن الآثار السلبية لذلك- نجد أننا نعود حتى ولو كان ذلك بدون إرادتنا إلى فترة ما قبل التشوه الإلكترونى الذى أصابنا جميعا، وندرك أن هناك العديد من متع الحياة البسيطة التى نزعت منا دون أن ندرى فى زحام الاهتمام بالموبايل والإنترنت والتليفزيون والبلاى ستيشن وغيرها من تلك الأدوات التى صارت تسحرنا بجاذبيتها لدرجة أننا أصبحنا أسرى لها.
ففى إحدى الليالى وأثناء انقطاع التيار الكهربائى، طالبت أبنائى بترك هواتفهم المحمولة وأن نستغل تلك الفترة فى تبادل أطراف الحديث، تلك الميزة التى هجرت بيوتنا للأسف الشديد، وبالفعل جلس الجميع وأخذ كل فرد يتحدث والجميع منصت له، فلا توجد وسائل إلهاء تشتت الانتباه أو تفسد التواصل، وكانت تلك المدة التى قضيناها فى تبادل الحديث والحكايات من أجمل اللحظات التى مرت علينا جميعا منذ فترة، لدرجة أنه بعد عودة الكهرباء كنا نريد الاستمرار فى سرد الحكايات ولكن للأسف عاد كل شخص لملهاه مرة أخرى.
إذا تأملنا حياة البشر اليوم سنجد أننا لم نعد نتحدث، لم نعد نتكلم، لم نعد نعرف بعضنا البعض كما ينبغى حتى لو كنا مقربين، فالرسائل على الواتس آب صارت هى وسائل التواصل بين أفراد العائلة وبين الأصدقاء، والتهانى على الفيسبوك أغنت عن حتى المكالمات التليفونية.
حتى فى الزيارات العائلية، يجلس الجميع وكل شخص يحمله موبايله إلى عالم آخر بعيدا عن كل من حوله، اسما فقط يجلسون معا لكنهم فعليا فى عوالم مختلفة، أو يجلس الجميع حول شاشة التليفزيون وكأنهم مسحورين لما يشاهدونه.
فأين ذهب الكلام الجميل بين الناس؟ وأين ولى الحديث الشيق بين الأفراد؟ وإلى أين هرب الود والضحك والألفة فى جلسات العائلات؟
أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعى كانت سببا رئيسيا فى التباعد الاجتماعى بين الناس، وليس التواصل كما يطلق عليها، وأن الهواتف المحمولة بدلا من أن تقرب الناس ببعض ألهتهم وأبعدتهم حتى عن أقرب الأقربين، فتقوقع كل فرد داخله، وصار “التوحد” ليس مرضا بل حالة عامة أصيب بها الجميع دون استثناء، فالكل متوحد داخل عالم افتراضى يقوده الذكاء الاصطناعى بمنتهى البراعة ليعرض عليه ما يريد ويأسره بالملذات ويؤثر على آرائه وأفكاره ويقوده فى النهاية إلى أهداف قد يكون الكثير منها ذات توجهات خاصة بل وأجندات محددة.
توخوا الحذر وحافظوا على أولادكم وعلى أنفسكم من هذا الانسياق الأعمى وراء الساحرات المدمرات التى يطلق عليها الأدوات العصرية الحديثة التى لا تقود سوى للهاوية لو لم نحسن استخدامها.