فاطمة إبراهيم
تم افتتاح 3 مصانع للسيارات فى مصر خلال شهر واحد فقط، بالإضافة إلى تخطيط 5 مصانع جديدة لبدء تصنيع السيارات قريبا داخل مصر لأول مرة، فهل يمكن أن تتحول مصر تدريجيا إلى مركز إقليمى لصناعة السيارات؟ وما المقومات التى تحتاجها مصر لتوطين صناعة السيارات؟ وما مردود ذلك على الاقتصاد المصرى؟ وكيف تستفيد مصر من الحرب الاقتصادية الدائرة بين أمريكا ودول الناتو من جهة والصين من جهة أخرى؟
فى شهر واحد تم افتتاح 3 مصانع للسيارات وهى بروتون ساجا الماليزية، والنصر المصرية، وإكسيد الصينية.
أكد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، أن تصنيع السيارة الماليزية بروتون ساجا فى مصر إشارة إيجابية فى ملف صناعة السيارات، مشيرا إلى وجود مباحثات كثيرة مع شركات سيارات متعددة لجعل مصر خلال من عامين إلى ثلاثة أعوام مركزا لصناعة السيارات.
وأكد خبراء تصنيع السيارات لـ “الإيكونوميست المصرية” أن مصر لديها إمكانات هائلة لتوطين صناعة السيارات، لتصبح مركزا إقليميا لصناعة السيارات فى أفريقيا والشرق الأوسط، لاسيما إذا تم استغلال الميزة التى تتمتع بها مصر من حيث الشراكة مع الاتحاد الأوروبى والتصدير له بزيرو جمارك، ومن ثم فإنه يمكن لمصر تحقيق إيرادات تصل إلى 70 مليار دولار بالشراكة مع الشركات الصينية بالذات لاسيما فى ظل القيود التى تفرضها أمريكا ودول حلف الناتو على السيارات المستوردة من الصين.
وقام مجلس الوزراء بإعادة تشغيل وبدء إنتاج شركة النصر لصناعة السيارات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، بعد توقفها منذ نحو 15 عاما.
وتم توقيع عقد تأسيس شركة مساهمة بين شركة النصر للسيارات وشركتى “ترون تكنولوجى” السنغافورية التايوانية، و”يور ترانزيت” الإماراتية، بغرض تصنيع أول مينى باص كهربائى.
وتصل نسبة المكون المحلى فى هذه الأتوبيسات إلى 50% فى مرحلتها الأولى على أن تصل لاحقا إلى 60-70%، وتستهدف التصدير إلى عدد من الدول العربية.
من جانبه، أكد جمال عسكر خبير صناعة السيارات أن شركة النصر للسيارات بدأت بالعمل فى عام 1960 بإنتاج سيارات رمسيس، وسيارات 128، ودوجان وشاهين وغيرها، فى عصر ازدهرت فيه الصناعة المصرية، وتزايدت قدرة شركة النصر للسيارات الإنتاجية بشكل كبير، إلى أن تم تجميد وتصفية الشركة فى عام 2009، حتى انتبهت الدولة إلى أن صناعة السيارات هى قاطرة التنمية للشعوب، وهو ما حدث فى دول مثيلة لنا مثل المغرب التى تصدر بنحو 7 مليارات دولار إلى دول الاتحاد الأوروبى.
وأضاف أن شركة النصر للسيارات تأسست فى عام 1959 كأول شركة مصرية لصناعة السيارات، ولعبت دورا محوريا فى دعم الصناعة الوطنية، وتقع على مساحة تقترب من 900 ألف متر مربع فى منطقة وادى حوف بحلوان، وتتكون من 9 مصانع.
وتم اتخاذ قرار بتصفية الشركة عام 2009، وفى عام 2017 تمت إعادة الشركة من التصفية، وبعد إعادة تشغيلها وتحديث خطوط إنتاجها، تستعد الشركة لدخول مرحلة جديدة من الإنتاج المتطور بما يتماشى مع رؤية مصر الصناعية المستقبلية.
وأوضح عسكر أن مصر تنبهت إلى أهمية المنافسة القوية جدا التى قامت بها دول مثل المغرب وجنوب أفريقيا وتركيا وبورندى.
وتابع خبير صناعة السيارات: لذلك أمر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى عام 2022 بإنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات فى مصر برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وخمسة وزراء معنيين وأربعة خبراء فى مجال صناعة السيارات.
وطالب عسكر بضرورة وجود استرتيجية لتصنيع السيارات بمصر، وهى السياسة التى تقوم عليها الصناعة فى دول العالم المتقدم لمعرفة ما لك وما عليك فى هذه الصناعة، وكيفية إنشاء شراكات مع كبريات شركات صناعة السيارات على مستوى العالم.
وعن مقومات صناعة السيارات، قال عسكر إن الطاقة البشرية هى أهمها، مؤكدا أن مصر لديها من الكفاءات الكثير وتقوم كليات الهندسة، ومعاهد التكنولوجيا، ومدارس التعليم الصناعى، بتخريج ما يقرب من خمسين ألف طالب مؤهل كل عام، هؤلاء الطلاب خاصة فى كليات الهندسة فى المشروعات النهائية للتخرج يقومون بتنفيذ مشروع تخرج، وتشارك هندسة جامعة عين شمس فى فورملا إنجلترا وألمانيا ويحصولون على مركز أو اثنين من المراكز الأولى إلى الثالثة، ويعودون إلى بلادهم بعد التخرج، ويعملون فى أى مجال.
وأضاف ثانيا هى الاستراتيجية الواضحة لعمل شراكات، وثالثا المصانع وهى متوفرة فى مصر، ومن بينها شركة النصر للسيارات ومصانع وزارة الإنتاج الحربى، ومن ثم فإن توافر هذه العناصر يساعد على عمل شراكات لتوطين صناعة السيارات وتستهدف الدولة توطين الصناعة بنسب بين 40% و45 %، وهى نسبة ضعيفة، ولكن الأهم أن نصل إلى أن تكون الصناعة مصرية أى نصل إلى نسبة توطين من 75% إلى 80 % وبذلك تصنع سيارة ذات مواصفات مصرية، وتكون مصر هى دولة المنشأ، وتستفيد مصر الكثير.
ولفت خبير تصنيع السيارات إلى وجود حرب تدور رحاها بين أمريكا ودول حلف الناتو من جهة والصين من جهة أخرى، حيث تقوم أمريكا برفع الضرائب على السيارات المستوردة من الصين بنسبة 100%، ودول حلف الناتو بنسبة 38.5 % لإجبار المواطنين على عدم شراء السيارات الصينية، وكذلك قامت أمريكا ودول حلف الناتو برفع الجمارك على قطع الغيار المستوردة من الصين خاصة البطاريات الكهربائية، بنسبة 25%، للحد من الاستيراد من الصين لهدم هذه الصناعات ، ولكن على العكس تقوم حكومة الصين بدعم كبير لصناعة السيارات الكهربائية، حتى تفوقت BYD الصينية على “تسلا” الأمريكية فى المبيعات فى الربع الثالث من هذا العام حيث صدرت الأولى ما يقرب من 2.8 مليون سيارة، بينما قامت تسلا بتصدير 1.8 مليون سيارة، ولذلك تتجه أنظار العالم إلى BYD.
ونوه إلى أن مصر تستطيع خلال عامين افتتاح العديد من مصانع السيارات، وتكون مصر دولة المنشأ.
وأضاف هنا تأتى الميزة العظمى حيث تمتلك مصر شراكة مع الاتحاد الأوروبى بتصدير السيارات بزيرو جمارك، وبذلك تستطيع مصر تصدير سيارات ليس فقط بـ 7 مليارات دولار كما فعلت المغرب ولكن بـ 70 مليار دولار، إذا نهضنا بصناعة السيارات، من استرتيجيات وعمالة ومصانع وشراكات مع الشركات الصنية بالذات بمبدأ win – win game بما يحقق لمصر ربحية هائلة.
من جانبه، أكد خالد سعد، أمين عام رابطة مصنعى السيارات ورئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب لشركة “جنباى رويال” فى مصر، أن تحول مصر من تجميع السيارات إلى تصنيع السيارات لتصبح مركزا إقليميا لصناعة السيارات ليس بالأمر الصعب، لاسيما أن مصر افتتحت ثلاثة مصانع لإنتاج السيارات فى شهر واحد وهى بروتون الماليزية، والنصر المصرية، وإكسيد الصينية، لافتا إلى أن الدولة تخطط لإنشاء خمس مصانع جديدة لبدء تصنيع السيارات قريبا داخل مصر لأول مرة، إلى جانب مصانع مكونات السيارات مثل قطع الغيار والبطاريات الكهربائية.
وأضاف أن هذه الطفرة تعنى أن مصر لا تدخل فقط مجال تجميع السيارات، لكنها تتحول تدريجيا إلى مركز إقليمى لصناعة السيارات، فى أفريقيا والشرق الأوسط، معززة بسوق محلية كبيرة وتوجه للتصدير، مشيرا إلى أن السيارة الاقتصادية بتكلفتها الحالية تفوق إمكانيات المستهلك المصرى، حيث كان يترواح سعرها بين 200، 300 ألف جنيه للسيارة، بينما بلغ سعرها حاليا المليون جنيه، ولكن تعزيز صناعة السيارات وتوطينها فى مصر يساعد على خفض تكلفة إنتاج السيارة، ومن ثم عودة المستهلك المصرى للشراء مرة أخرى، وهى سوق كبيرة تدعم توطين صناعة السيارات فى مصر .
من جهتها، قالت الدكتورة حنان رمسيس الخبيرة الاقتصادية إن مصر لديها إمكانيات هائلة لتوطين صناعة السيارات بنسبة مكون محلى 60% للسوق المحلية، لاسيما أن أسعار السيارات بسبب الوكلاء والاستيراد من الخارج ارتفعت أسعار السيارات بما يفوق إمكانيات المستهلك المصرى، وذلك من خلال الشراكات بين شركة النصر للسيارات والقطاع الخاص، وهذا يعمل على توفير فرص عمل وكذلك العمل على إنتاج عفش وفرش السيارات.
ونوهت إلى ضرورة التفكير بفكر القطاع الخاص بزيادة أعداد الفنيين، وتقليل أعداد الإداريين، والعودة لإنتاج سيارة شاهين، وبعد حدوث طفرة فى الإنتاج بطريقة منتظمة يمكن فتح أسواق للتصدير، ولكن بالجودة، والمواصفات العالمية، مشيرة إلى أن افتتاح مصنع النصر للسيارات وافتتاح مصانع فى السوق المصرية لتصنيع السيارات خطوة جيدة يتبعها خطوات لإعادة الحياة إلى المصانع المتوقفة عن العمل.