ولاء جمال
بحيرة قارون عادت للحياة بجهود الدولة لمعالجة التلوث وتحسين الملوحة بها، مما ساهم فى استعادة دورها البيئى والسياحى، بالإضافة إلى دورها فى تعزيز الإنتاج السمكى وتحقيق الاكتفاء الذاتى، كما أنها تعد مصدر رزق لآلاف الأسر.
وقال الدكتور نادر نور الدين، أستاذ المياه والأراضى بكلية الزراعة جامعة القاهرة والخبير الزراعى: إنه على مدار السنوات الماضية، بذلت الدولة جهودا كبيرة لتحسين حالة بحيرة قارون، الواقعة بمحافظة الفيوم، والتى عانت طويلا من التلوث وارتفاع نسبة الملوحة، وهو ما أدى إلى تدهور النظام البيئى بها.
وأكد أن المشكلة الكبرى كانت نتيجة تصريف مياه الصرف الصحى من القرى المجاورة إلى البحيرة، مما أدى إلى انتشار طفيل “الأيزبودا”، الذى تسبب فى نفوق كميات هائلة من الأسماك والقضاء على الثروة السمكية، حيث تقع بحيرة قارون فى منخفض داخل محافظة الفيوم، التى تتميز بنظام صرف داخلى يمنع تصريف مياهها إلى خارج المحافظة، وبالتالى فإن هذه الطبيعة الجغرافية جعلت البحيرة المنفذ الوحيد للتخلص من مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى، والتى تحتوى على كميات هائلة من الملوثات، نتيجة لذلك، تحولت البحيرة إلى مستودع للملوثات السامة، مما أدى إلى القضاء على الأسماك والكائنات البحرية التى كانت تعيش بها، مثل البلطى الفيومى والجمبرى وأسماك الموسى.
وأوضح الدكتور نور الدين أن عودة العمل فى بحيرة قارون يحمل تأثيرا إيجابيا كبيرا، نظرا لأهميتها السياحية والبيئية، فهى محمية طبيعية تستقطب عشرات الأنواع من الطيور المهاجرة، وتزدهر بشكل خاص خلال فصلى الخريف والشتاء مع توافد آلاف السياح للاستمتاع بركوب المراكب وتناول الأسماك الطازجة، كما تعد البحيرة متنفسا لأهالى الفيوم فى فصل الصيف للهروب من حرارة الجو والاستمتاع بمياهها، بالإضافة إلى ذلك تمثل البحيرة مصدر رزق لأكثر من 8 آلاف أسرة فى القرى المحيطة، مما يجعلها محورا أساسيا فى دعم الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى المنطقة.
من جانبه، ذكر الدكتور عبد النبى عبد المطلب الخبير الاقتصادى، أن بحيرة قارون عادت للحياة بعد توقف دام 9 سنوات، وهى فترة شهدت خلالها البحيرة محاولات عديدة لاستزراع الأسماك دون جدوى، وبالتالى فإن عودة البحيرة للإنتاج تعكس نقطة تحول كبيرة للصيادين وأهالى المنطقة، الذين عانوا طويلا من توقف هذا المورد الطبيعى المهم، ما أثر على سبل عيشهم.
وأوضح الدكتور عبد المطلب أن بحيرة قارون تمتاز بطبيعتها الخاصة، كونها بحيرة مغلقة فى محافظة تعتمد على مصادر محدودة للمياه، مما يجعل إدارتها تحديا كبيرا، لافتا إلى أن التحسن الأخير فى نوعية المياه ومستوى الملوحة جاء بفضل جهود علمية ودراسات مكثفة ركزت على إعادة إحياء البحيرة.
وأشار إلى أن هذا التحسن ليس صدفة، بل نتيجة لتخطيط محكم وجهود جماعية استهدفت تعظيم الاستفادة من البحيرة، سواء للإنتاج السمكى أو لتنمية الموارد الطبيعية الأخرى.
وأكد الخبير الاقتصادى أن المرحلة الحالية تعد مرحلة انتقالية تستوجب استمرار الدعم الفنى والإدارى من الدولة، لضمان استدامة هذا المورد الطبيعى المهم، موضحا أن هناك خطة لتعزيز الإنتاج السمكى عبر زراعة أنواع متعددة من الأسماك، مثل البلطى والموسى، بالإضافة إلى القشريات كخطوة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى وتقليل الاعتماد على استيراد الأسماك.
وأوضح الخبير الاقتصادى أن هذه الجهود تأتى فى إطار رؤية شاملة بدأت عام 2014، عندما بدأت الدولة فى استغلال مواردها المهملة وغير المستغلة، حيث شملت هذه الرؤية حصر كافة الأصول الاقتصادية من الأراضى المهملة الواقعة على جانبى السكك الحديدية إلى الجبانات القديمة التى لم تعد مستخدمة، وصولا إلى المشروعات المتوقفة مثل بحيرة قارون.
وأضاف الدكتور عبد المطلب أن البداية الفعلية لهذه الخطة جاءت مع حكومة المهندس إبراهيم محلب، حيث اتخذت قرارات لإعادة تشغيل موارد الدولة المهملة، ومنها البحيرة التى شهدت إعادة تأهيل شاملة، وهذه الجهود لم تقتصر على بحيرة قارون فقط، بل شملت مشروعات أخرى مثل إعادة تشغيل شركة النصر للسيارات، التى تمثل رمزا للصناعة الوطنية.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن هذه الجهود تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى لتقليل الضغط على العملة الصعبة، وتعزيز النمو الاقتصادى، مضيفا أن هذه الخطوات تعكس تخطيطا إستراتيجيا يهدف إلى استغلال الموارد المتاحة، مما يمهد الطريق لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة فى مختلف القطاعات.