طرحت الدكتورة/ أمانى عبد الله الشريف، الأستاذة بصيدلة الأزهر والخبيرة الدولية فى جودة التعليم بالاتحاد الأوروبى والمحكم الدولى باتحاد الجامعات الأفريقية، رؤية علمية لإصلاح التعليم المصرى، مشيرة إلى أن الأمم تقدم الخدمة التعليمية لأبنائها وتدعمها أملا فى أن يشاركوا فى نهضتها ليكونوا قاطرة التنمية فى المجالات المختلفة. ولكن فى الدول النامية توجد فجوة بين مهارات الخريجين ومعارفهم – سواء فى التعليم العالى أو التعليم قبل الجامعى- وبين احتياجات المجتمع، وما يتبعه ذلك من نزيف للأموال التى تنفق على التعليم دون جدوى ودون تحقيق الناتج المتوقع وهو “متعلم قادر على الإسهام فى التنمية”، مما يؤدى إلى:
– زيادة فى البطالة وما ينتج عنها من أعباء اقتصادية كثيرة.
– تأخر التنمية نتيجة نقص الكوادر المناسبة لاحتياجات المجتمع ومتطلباته.
– إهدار للمال العام فى تعليم لا يحقق ناتجا.
– وجود خريجين غير مؤهلين مما يجعلهم قنبلة موقوتة نتيجة عدم تأهيلهم وغضبهم الناجم عن رفض سوق العمل لهم.
ولكى نحدد وجهتنا لابد أن نتفق أولا على إجابات لبعض الأسئلة..
وأن نحدد أولا: ماذا نريد من التعليم؟ هل التعليم الجيد هو غايتنا؛ أى التعليم من أجل التعليم؟ أم هو وسيلتنا لدفع قاطرة التنمية والتقدم؟
هل ما يتلقاه المتعلم من تعليم ليس جيدا أم أنه غير ملائم لاحتياجات التنمية؟
ما هى المسطرة التى نقيس عليها إن كان التعليم المقدم جيدا أم لا؟ هل هى معايير الاعتماد أم معايير التصنيف الدولى أم معايير الجودة الشاملة؟ ولماذا لا توجد معايير موحدة يتم الاعتراف بها داخليا وخارجيا؟
وهل يتم قياس الفجوة بين الاحتياجات الفعلية لسوق العمل وما يقدم من تعليم؟
وهل تتم مراجعة خطة مصر 2030 عند تحديد ملامح التعليم المطلوب وقدرته على الإسهام فى تحقيقها وإنتاج كوادر مؤهلة لتنفيذ هذه الخطة؟
على سبيل المثال؛ إذا كنا نريد أن تكون مصر مركزا للصناعات الإلكترونية أو الثقيلة أو متقدمة زراعيا، فهل تم الاهتمام بالبرامج التى تخرج كوادر مدربة ولديها الجدارات التى تحقق ذلك وتساعد الدولة للحصول على ثقة كبريات الشركات فى تلك المجالات وإنشاء مقرات كبرى لمصانعها فى بلادنا.
وقد سبقنا فى تطبيق تلك الفكرة بعض الدول مثل فنلندا وإندونيسيا، ومن الضرورى أن تفتح الأمة نوافذ ذهنها وفكرها لكل فكر جديد وإيجابى.
وأشارت الخبيرة الدولية فى جودة التعليم بالاتحاد الأوروبى والمحكم الدولى باتحاد الجامعات الأفريقية إلى أن كثيرا من الدول التى حققت طفرة فى التعليم مثل فنلندا أعدت سياستها التعليمية على أساس احتياجات التنمية، فكان الاهتمام والأولوية للتعليم الفنى إلى أن اكتفى سوق العمل فبدأت بتعديل تلك السياسات فى ضوء الأهداف المستقبلية وتلبية لاحتياجات التنمية. فكما يحتاج المجتمع إلى الطبيب والمهندس والمحاسب والمحامى فإنه لا يتقدم بدون السائق والميكانيكى وعامل الصيانة والكهربائى والمزارع الماهر وغيرهم من أصحاب الحرف التى لا تقوم التنمية بدونها.
وقالت الدكتورة أمانى: “اسمحوا لى من خلال خبرتى فى مجال جودة التعليم فى الاتحاد الأوروبى واتحاد الجامعات الأفريقية أن أدلى بدلوى فى هذا الشأن، فلعل البعض يتفق معى أن أهم التحديات الراهنة التى تواجه المؤسسات التعليمية تتمثل بعضها فى:
– هياكل إدارية وفنية جامدة غير مناسبة للمتغيرات الحديثة واحتياجات التنمية.
– ضعف المخصصات المالية وعدم تناسبها مع متطلبات التطوير.
– أصول وموارد غير مستغلة.
– قصور فى الإمكانات المادية والكفاءات البشرية.
– برامج تعليمية غير ملائمة لمتطلبات التنمية.
– تشريعات وقوانين ولوائح وممارسات قديمة ومقيدة”.
ولمواجهة هذه التحديات، أوضحت الدكتورة أمانى أنه يجب الاهتمام ببناء الفرد ولا سبيل لذلك إلا من خلال التعليم الجيد، لتكوين أفراد يستطيعون التفاعل مع هذا العالم، والمشاركة فى تطوير مجتمعاتهم ومواجهة التحديات التى تعترض طريقها. وذلك يتطلب إقامة توازن سليم بين التعليم الأكاديمى وتنمية المهارات العملية الحياتية، وربط مناهج التعليم باحتياجات المجتمع، وتقليص الفجوة بين التعليم النظرى والتطبيقى، وتأهيل الخريج لمجالات حياتية مختلفة.
ويجب تحديد أولا المسطرة التى سنقيس عليها جودة التعليم. يا سادة: نحن لن نخترع العجلة ويجب أن تبدى تلك المسطرة – بل دعونى أقول تلك المعايير- متطلبات التنمية وإعطاء الأولوية للبرامج الأكاديمية التى تحتاجها مصر فى رحلتها نحو آفاق المستقبل وربوع التنمية. ونكف عن تأهيل جيل الغد لاحتياجات الأمس وننزع عن أنفسنا وعن أبنائنا معتقدات الماضى ونتخلص من التابوهات التى أفرزت عُقدا اجتماعية أطلقنا عليها عدة مسميات مثل “كليات القمة”، “وظيفة مرموقة”.. ولكننا نرى أن كل مهنة تساعد فى نهوض الوطن هى مهنة مرموقة.
وثانيا: فكما يجب أن نضع نصب أعيننا متطلبات التنمية، يجب أن يتم ذلك بلغة متفق عليها عالميا . فيجب أن تكون وحدة قياس المسطرة – أو المعايير – تلتقى مع معايير التصنيف العالمية والتى ساعدت جامعات كثيرة فى تقديم خريج منافس دوليا. لا يجب أن يتمزق عضو هيئة التدريس لإعداد متطلبات لاعتماد داخلى وأخرى لتصنيف دولى وثالثة لاعتراف إقليمى أو مهنى. فلا داعى للعمل بمبدأ “خَالِفْ تُعرَفْ”، فكلما كانت الأمور ميسرة وواضحة كان الإنجاز واضحا وسريعا.
وثالثا: لا يمكن أن ينتج التعليم ما نتمناه من شركاء حقيقيين فى قطار التنمية دون الاهتمام بأخلاقيات الخريج، فأخلاق الخريج ومن ثم المهنة أصبحت جزءا لا يتجزأ من مقومات النجاح فى أى مهنة مهما كان حجمها.
ومن أهم المبادئ التى يجب زرعها فى المتعلم؛ نشر روح التسامح، وتعزيز الانتماء، واحترام الاختلاف. فالخريج الملتزم القادر على اتخاذ القرارات الصائبة المبنية على خلفية أخلاقية وعلمية وفنية ودراية سيستطيع بسهولة كسب ثقة المتعاملين معه بالداخل والخارج.
رابعا: يجب الاهتمام بالمهارات الحياتية والتقنية وريادة الأعمال للخريج والذى لن يتم إلا بالتدريب، فالتدريب هو المحرك الآخر لعجلة التنمية. فيجب اعتبار التدريب جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية ويتم توفيره بكل البرامج الأكاديمية، ويتم ذلك من خلال إمداد الطالب بمزيج من العلوم والمهارات الحياتية والحِرف والصناعات والمهن التى تساعده بعد تخرجه فى المشاركة فى المجالات المختلفة ليسهم فى بناء مجتمعه ويصبح الخريجون سواعد بناء – وليسوا معاول هدم – فى بلد يتميز بكثرة عدد سكانه. ومن ثم نستطيع أن نحول كثرة عدد السكان إلى قوى إيجابية ووسيلة نحو النهوض والتقدم والتغلب على التحديات الراهنة بدلا من اعتبار الزيادة السكانية مشكلة نحتاج إلى التكاتف لحلها. فيجب تقديم تعليم يسهم فى حل مشكلات المجتمع الحقيقية دون تقليد ويمد المشاريع العملاقة بالكوادر المدربة من كل التخصصات.
وخلصت الأستاذة بصيدلة الأزهر والخبيرة الدولية فى جودة التعليم بالاتحاد الأوروبى والمحكم الدولى باتحاد الجامعات الأفريقية، إلى أن الأمر يحتاج إلى الاهتمام بعضو هيئة التدريس والمعلم واستحداث البرامج الأكاديمية التى تلبى احتياجات التنمية والاهتمام بالأنشطة وتغيير نظم تقييم الطلاب وإتاحة مصادر المعرفة السليمة ومشاركة الطلاب فى محو أمية المجتمع المحيط وإقامة مشروع تدريبى ضخم لإعادة تأهيل شباب الخريجين والاهتمام بالتوجيه الأخلاقى من خلال المناهج المقدمة وتضافر كل شركاء النجاح وتوحيد الجهود والتركيز على المسئولية المجتمعية والاستخدام الأمثل للوسائل المتاحة وإعطاء الوقت الكافى لإحداث التنمية، وأخيرا الجدية والمحاسبية.