فاطمة إبراهيم
منذ تولى الرئيس دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، زادت الاضطرابات الاقتصادية فى العالم كله، حيث اشتعلت الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وفرض الرسوم الجمركية على الدول التى لا تتوافق سياستها الخارجية مع الولايات المتحدة، وبما أن مصر ليست بمعزل عن العالم، فهىى تتأثر سلبيا وإيجابيا بما يحدث عالميا، فهل مصر مستعدة إذا ساءت الأوضاع فى المنطقة للتعامل مع هذه السيناريوهات؟ وما الحلول لخفض التأثيرات السلبية الناتجة عن عدم الاستقرار فى المنطقة؟
أكد الخبراء أن تنوع الاقتصاد المصرى أحد نقاط القوة التى يتمتع بها، كما أن الحكومة اتخذت عددا من الإجراءات الاستباقية التى تجعلها قادرة على مواجهة أى آثار سلبية تنتج عن تصعيد الأمور فى منطقة الشرق الأوسط، وتجعل الاقتصاد المصرى مرنا فى التعامل مع الأزمات الإقليمية والعالمية.
وأضاف الخبراء لـ”الإيكونوميست المصرية” أن تسريع التعامل بالعملات الوطنية فى المعاملات التجارية بين مصر ودول مجموعة “بريكس”، يخفف الضغط على الدولار، وتعميق التجارة بينها وبين حلفائها، ويعمل على دعم الاحتياطى النقدى.
وتستهدف دول مجموعة “بريكس” تعزيز التبادل التجارى بالعملات الوطنية كخطوة أولى لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى، وبدأ الكثير من الدول الأعضاء التمهيد للخطوة الكبرى عن طريق اتفاقات للتبادل التجارى بالعملات الوطنية.
وفاجأ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين العالم، خلال اجتماعات قمة “بريكس” الـ 16، بإطلاق عملة أطلق عليها عملة “بريكس”، تمهيدا لاستخدامها فى المعاملات التجارية بين دول المجموعة.
وتسببت الخطوة فى حالة الترقب الممزوجة بالتخوف الغربى من احتمالية التأثير على الدولار.
الدكتورة حنان رمسيس الخبيرة الاقتصادية أكدت أن استقرار الحالة السياسية فى منطقة الشرق الأوسط يكون لها مردود إيجابى على الاقتصاد المصرى، مشيرة إلى أن مصر اتخذت مجموعة من التدابير والإجراءات الاستباقية لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية والخليجية بشكل خاص، وهذا جعل مصر قادرة على مواجهة أى توترات أو عدم استقرار فى المنطقة.
وأضافت الدكتورة حنان رمسيس أن الاقتصاد المصرى يواجه العديد من التحديات منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى 2022، ومرورا بالتصعيد فى غزة، وأزمات اقتصادية متعددة مرتبطة بفرض رسوم جمركية على العديد من الدول غير المتوافقة مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، مثل الصين ودول “بريكس”.
ولفتت الخبيرة الاقتصادية إلى أن مصر تحاول جاهدة أن يكون لديها حائط صد ضد هذه المخاطر الجيوسياسية، من خلال زيادة معدلات الاستثمار، والتركيز على توطين الصناعات، والتصدير للخارج سواء المنتجات الزراعية والأدوات الكهربائية الملابس القطنية، والعمل على اختراق الأسواق الخارجية، من خلال تقليل تكلفة المنتج لخلق ميزة تنافسية وفتح العديد من الأسواق.
ونوهت الدكتورة حنان رمسيس إلى أن مصر استخدمت المراكز الدبلوماسية للترويج إلى الصناعات المصرية، والاستثمارات داخل مصر، وعرض الفرص الاستثمارية والمزايا والحوافز الضريبية والتعاون بين القطاع الخاص والحكومة، مشيرة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى عقد العديد من اللقاءات سواء داخل مصر أو خارجها، ومن بينها لقاؤه الأخير مع رئيس وزراء كرواتيا لزيادة التبادل التجارى والاقتصادى، وزيارته أيضا إلى أسبانبا والتى تم خلالها ترقية مصر إلى شريك استراتيجى فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية الاستثمارية والتجارية بين مصر وأسبانيا.
وذكرت أن الحكومة المصرية تسعى إلى توفير كل فرص التعاون والاستثمار الأجنبى، من خلال الترويج للفرص الاستثمارية داخل مصر من خلال وزارة التجارة الخارجية، وقد لمسنا زيادة فى الاستثمارات الخليجية والأجنبية، فى العديد من القطاعات، وهذا دعم اهتمام الدولة بالمنتج المحلى.
من جهته، قال الدكتور سيد خضر الخبير الاقتصادى إن الفترة المقبلة صعبة على الاقتصاد العالمى والمحلى، وذلك منذ تولى الرئيس ترامب مقاليد الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن التصريحات الأخيرة لترامب تزيد الحروب والصراعات التجارية فى الفترة المقبلة.
وأضاف الدكتور خضر أن تصاعد أحداث البحر الأحمر والحرب فى ليبيا وغزة وسوريا كلها تؤدى إلى خفض إيرادات قناة السويس، منوها إلى أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين قد تؤدى إلى ارتفاع أسعار النفط، ومن ثم زيادة أسعار سلاسل الإمداد، وبالتالى أسعار السلع، وهذه هى أحد أهم المشكلات التى يعانى منها المواطن المصرى.
ولفت إلى أنه دائما يوجد حلول للتعامل وقت الأزمات، وبدأت الحكومة جديا فى هذه الخطوات، ومن بينها تسريع التبادل التجارى بالعملات المحلية، مع الشركاء التجاريين مثل الصين وروسيا والهند وتركيا والبرازيل والسعودية والإمارات لتقليل الضغط على الدولار، ومن ثم فإن الاقتصاد المصرى قادر على الصمود، ويتمتع بالقوة وفى الوقت نفسه بالمرونة التى تمكنه من التعامل مع أصعب السيناريوهات السياسية والاقتصادية.
وتم الاتفاق بين مصر والهند العضوتين فى مجموعة “بريكس” على تسوية التجارة بالعملات الوطنية “الجنيه المصرى والروبية الهندية”، وتوفر الاتفاقية الجديدة بين مصر والهند نحو 12 مليار دولار بحلول 2028 وهو حجم التبادل التجارى المتوقع بين البلدين.
وتسمح الهند بالتجارة بالعملات الوطنية بموجب سياسة التجارة الخارجية الجديدة (FTP) لعام 2023.
وتضاعف حجم التجارة الثنائية بين مصر والهند نحو خمسة أضعاف خلال العقد الأخير، حيث بلغ 7.3 مليار دولار فى السنة المالية 2021-2022، وحوالى 5.4 مليار دولار فى عام 2023.
من جانبه، ذكر الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادى أن أوضاع الاقتصاد العالمى بدأت تسوء منذ ظهور فيروس كورونا الذى لم تنته تداعياته السلبية بعد، وزاد عليها التأثيرات السلبية لحرب أوكرانيا وروسيا والعقوبات المرتبطة بها، وحرب غزة، والصراعات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، متوقعا استقرار الأوضاع خلال عام 2025.
وعن الاقتصاد المصرى قال الدكتور وليد جاب الله إنه تأثر سلبيا بهذه التداعيات ونتيجة لذلك فقد نحو 6 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس، غير أن الحويثيين أعلنوا وقف الهجمات على البحر الأحمر، ومن ثم تحسن إيرادات قناة السويس، مشيرا إلى أن استقرار الأوضاع فى غزة يزيد من تحسن الأوضاع.
وتراجعت الإيرادات التى حققتها قناة السويس خلال العام 2024 بنسبة تجاوزت 60% على أساس سنوى بسبب الأحداث الراهنة فى منطقة البحر الأحمر وباب المندب بما أثر بالسلب على حركة الملاحة بالسلب واستدامة التجارة العالمية.
ويعنى ذلك أن مصر خسرت ما يقرب من سبعة مليارات دولار من إيرادات القناة خلال العام الجارى عند مقارنتها بعام 2023.
شنت جماعة الحوثيين اليمنية العديد من الهجمات على سفن مارة بالبحر الأحمر خلال الشهور الماضية، ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عملاقة إلى تحويل مسارات السفن التابعة لها من الطريق المار بقناة السويس والبحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء حول قارة أفريقيا، مما عرض القناة لتراجع كبير فى إيرادتها وتسبب فى تأخير عمليات تسليم الشحنات التجارية ورفع تكاليف الشحن عالميا.
وانخفض عدد السفن التى عبرت قناة السويس إلى 20148 سفينة فى العام المالى 2023-2024 مقابل 25911 سفينة فى العام 2022-2023.
وأضاف الخبير الاقتصادى أن التوقعات السلبية صعب التبنؤ بها فى ظل تسارع الأحداث، والاقتصاد المصرى صار أكثر ارتباطا بالاقتصاد العالمى، ويتأثر إيجابيا وسلبيا بما يحدث فى العالم، مشيرا إلى أن الاقتصاد المصرى أصبح أكثر تنوعا فإذا تضرر قطاع يتم التركيز على قطاعات التى لديها مزايا، فعندما تأثرت إيرادات قناة السويس ركزنا على القطاع الصناعى، وعندما تأثرالقطاع السياحى خلال فترة كورونا ركزنا على قطاع التشييد والبناء.
