فاطمة إبراهيم
أشعلت أمريكا الحرب التجارية فى العالم بعدما فرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رسوما جمركية بنسب متفاوتة على واردات أمريكا من دول العالم المختلفة. فكيف يمكن لمصر أن تستفيد من الحرب التجارية الجديدة، وبصفة خاصة الحرب الدائرة بين أمريكا والصين؟
أكد الخبراء لـ”الإيكونوميست المصرية” أن استمرار الحرب التجارية بين أمريكا والصين، يزيد الاستثمارات الصينية فى مصر، ما يساهم فى تعزيز الصناعة والتوظيف والصادرات المصرية، ومع وجود استراتيجية حكومية واضحة، يمكن لمصر أن تصبح واحدة من أهم مراكز الإنتاج الصينية خارج الصين، وتصبح مصر بوابة الصين للقارة الأفريقية والشرق الأوسط.
قرار الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية كان فى بدايته المقصود به بعض الدول، بدءا بكندا والمكسيك والصين، إلا أنه طال بعد ذلك العالم كله تقريبا، وتراوحت تلك الرسوم ما بين 49% وهى أعلى نسبة وكانت من نصيب كمبوديا وأقلها 10% على الواردات من مصر والمملكة المتحدة ومعظم الدول العربية. وتباينت الرسوم الجمركية على بقية الدول، وبلغت الرسوم المفروضة على بضائع الصين 34%.
ووصف المهندس طارق قابيل وزير التجارة الأسبق ورئيس مجلس إدارة بنك نكست التعريفات الجمركية الأمريكية بأنها فرصة ذهبية لمصر.
وأشار إلى أن التبادل التجارى بين مصر وأمريكا فى نهاية عام 2024 وصل إلى 8.6 مليار دولار، حيث بلغت قيمة الواردات لمصر من أمريكا 6 مليارات دولار، فى حين بلغ حجم الصادرات المصرية لأمريكا 2.7 مليار دولار، تمثل فى غالبيتها الملابس الجاهزة بنسبة 45.6 % أى ما يعادل 1.2 مليار دولار وتمثل الأسمدة ما نسبته 6.4 % والحديد 6.2 % والسجاد 5.1% والأغذية المعلبة 5.1 % والباقى صادرات متنوعة.
وأوضح المهندس قابيل أن إجمالى الصادرات المصرية من الملابس الجاهزة تمثل 1.650% من إجمالى واردات أمريكا من الملابس الجاهزة، فى حين تمثل الصين 22%، وفيتنام 18%، وبنجلاديش وإندونيسيا حوالى 5% لكل منهما. وأضاف أن نسبة التعريفة الجمركية التى فرضتها أمريكا على مصر أقل شريحة وهى 10%، فى حين تتفاوت نسب التعريفات الجمركية على الدول الأخرى بين 49% و22%، هنا تكمن الفرصة الذهبية لمصر وهى أن تجذب الشركات من الدول المتأثرة بالتعريفات الجمركية.
وقال ورئيس مجلس إدارة بنك نكست إن ميزات صناعة الملابس الجاهزة أنها كثيفة العمالة ولدينا العمالة المدربة، ولاتحتاج إلى رأس مال وماكينات غالية الثمن مثل باقى الصناعات، مشيرا إلى أن مانحتاجه الآن هو مفاوضات سريعة مع الشركات الكبرى فى هذه الدول للاستفادة من أقل تعريفات جمركية لمصر للتصدير إلى السوق الأمريكية، وأهم من ذلك تحسين مناخ الاستثمار بصورة سريعة لجذب هذه الشركات.
من جهتها، قالت الدكتورة يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس إنه لتعظيم الاستفادة مما يدور فى العالم حاليا يجب تحسين مناخ الاستثمار فى مصر، لأن كل الدول التى يتم فرض رسوم عليها من مصلحتها أن تتجه للاستثمار فى دول أخرى ومصر مؤهلة أن تكون ضمن هذه الدول لموقعها الجغرافى.
ونوهت د. يمن الحماقى إلى أن الاتحاد الأوروبى يأتى على رأس الأولويات التى يجب تعميق العلاقات الاقتصادية معه، مشيرة إلى أنه فيما يتعلق بجذب الاستثمارات يجب أن يكون لدينا رؤية واضحة فى التعامل مع الشركات الدولية التى تضع أجندتها وتنفذها، ولكن يجب تحديد أجندتنا وتدخل الشركات الدولية لتنفيذها .
وأضافت أن مصر تحتاج من الشركات الدولية نقل التكنولوجيا، والتدريب، وفتح الأسواق، بالإضافة إلى ضخ رؤوس أموال، نظرا لأن معدل الادخار ضعيف، ومن ثم فإن الفرص الاستثمارية ضعيفة، مشيرة إلى أن هذه هى مكاسب الاستثمار الأجنبى، والفرص تتضاعف مع وجود الحرب التجارية، فمثلا الاتحاد الأوروبى إذا فرضت عليه تعريفة جمركية، فمن مصلحة الشركات الموجودة هناك أن تأتى للاستثمار فى مصر بحيث تصدر من غير تعريفة جمركية، منوهة إلى أن مصر لم تحسن استثمار علاقتنا بالاتحاد الأوروبى، فميزاننا التجارى معه سلبى بشكل كبير جدا، حيث إننا نصدر ثلث الذى نستورده.
ولفتت أستاذة الاقتصاد إلى أن الصين ثانى الجهات المستهدفة لتعميق العلاقات الاقتصادية معها بمبدأ win-win، مشيرة إلى أن الذى يعوق الاستثمار هو ضعف المؤسسات والبيروقراطية والضرائب والجمارك وهذه كلها تمثل تحديات كبيرة للقطاع الخاص.
وأكدت ضرورة تعظيم الاستفادة من الحرب التجارية بين أمريكا والصين لاسيما أن الفرص لا تأتى كثيرا، ففى ظل الحرب التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والصين، تبحث الشركات العالمية، وخاصة الصينية، عن بدائل استراتيجية لتجنب القيود الأمريكية وتقليل المخاطر المرتبطة بالتعريفات الجمركية والعقوبات التكنولوجية، وواحدة من أبرز هذه الاستراتيجيات هى نقل التصنيع والاستثمار إلى دول أخرى خارج الصين، ومصر تعد واحدة من الوجهات المحتملة بقوة لهذه الاستثمارات.
من جهتها، قالت الدكتورة حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية إن مصر على خط واحد فى تعاملاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، غير أن مصر تميل إلى الصين بحكم المصالح الاقتصادية بين الدولتين، وخاصة المحور الاقتصادى لقناة السويس، والمشروعات الموجودة فى العين السخنة، والعاصمة الإدارية الجديدة .
ونوهت د. حنان رمسيس إلى أن الرئيس ترامب فى ولايته الأولى أشعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين غير أنها لم تكن بهذا العمق، أو هذا الاشتعال، إلا أنه فى الفترة الحالية يرى أنه يجب اتخاذ اجراءات حمائية على المنتجات التى تدخل أمريكا، ومن ثم بدأ فرض رسوم جمركية جديدة، وهذا أدى إلى اشتعال الحرب بوتيرة أكبر وأوسع مما سبق.
وتابعت أن مصر يمكنها الاستفادة من هذه الحرب التجارية بطرق متعددة من بينها تعميق التبادل التجارى والعلاقات الاستثمارية بينها وبين الصين، كما يمكن للصين أن تفكر فى أن تكون مصر البوابة لتصنيع المنتجات الصينية وتصديرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تحت شعار “صُنع فى مصر”، ويمكن لعديد من الدول التى تتعرض لإجراءات حمائية مرتفعة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التعاون فى هذا المجال .
وأضافت الخبيرة الاقتصادية أن هناك دولا مثل الهند خرجت من اتفاقية حزام الطريق خوفا من فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات عليها، ومن ثم لمصر أن تستفيد من ذلك فى تعميق العلاقات، خاصة أن الهند ومصر متواجدتان فى مجموعة البريكس، مشيرة إلى أن مصر يمكنها الاستفادة من هذه الحرب التجارية دبلوماسيا واستثماريا وتجاريا والعمل على تعميق العلاقات بين مصر والصين لاسيما أن الاتحاد الأوروبى يحجم علاقاته مع الصين تخوفا من أمريكا بحيث تكون مصر بوابة لأفريقيا والشرق الأوسط .
فيما رأى الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادى أن مصر يمكنها أن تستفيد من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، من خلال توطيد علاقاتها بالصين بحيث تصبح مصر بوابة الصين للتصدير إلى أفريقيا، والشرق الأوسط، وبالفعل بدأت الصين فى تكثيف استثماراتها بالسوق المصرية مثل مشروع الصوبات الزجاجية، لدعم الإنتاج الزراعى، ومشروعاتها فى قطاع الاستثمارات العقارية، فى العاصمة الإدارية.
وأضاف أن مصر يمكن أن تتأثر بالإيجاب نتيجة الانفتاح بين الصين ومصر، حيث تكون مصر بوابتها إلى أفريقيا والشرق الأوسط، لاسيما أن مصر توفر مناطق اقتصادية خاصة، مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتى تقدم حوافز ضريبية وتسهيلات استثمارية للشركات الأجنبية، فضلا عن أن تكلفة الإنتاج فى مصر أقل بكثير من الصين، سواء من حيث الأجور أو تكاليف التشغيل، وكذا الحوافز الضريبية والإعفاءات الجمركية لجذب الاستثمار الأجنبى، ما يقلل من التكلفة الإجمالية للشركات.
وحسب الدراسة التى أعدها بدوى إبراهيم الخبير الجمركى، تراجعت التجارة العالمية وانخفض معدل نمو الاقتصاد الصينى إلى 6% فى 2019، وهو أدنى مستوى منذ عقود، كما تأثرت الشركات الأمريكية الكبرى مثل آبل، تسلا، وبوينج بسبب الرسوم الجمركية على المواد الخام، وارتفعت الأسعار على المستهلك الأمريكى نتيجة ارتفاع تكلفة المنتجات المستوردة. فضلا عن تباطؤ الاستثمار، حيث اضطرت الشركات إلى إعادة توزيع سلاسل التوريد الخاصة بها.
ولفتت الدراسة إلى الحرب التجارية منذ 2022 حتى الآن والتنافس الجيوسياسى والتكنولوجى، مستبعدة انتهاء الحرب التجارية الحالية قريبا، خاصة مع استمرار التوترات بين الصين وأمريكا، حتى لو تغيرت الإدارات السياسية فى واشنطن، فإن المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية ستبقى قائمة.
وفى إشارة إلى اتجاه الاقتصاد العالمى نحو التكتلات، لفتت الدراسة إلى تزايد التعاون بين الصين وروسيا والهند فى مواجهة العقوبات الغربية، ومحاولة أمريكا تقليل الاعتماد على الصين عبر توجيه الاستثمارات إلى المكسيك والهند ودول جنوب شرق آسيا.
استعرضت الدراسة، العوامل التى تجعل مصر وجهة جاذبة للشركات الصينية التى تسعى إلى تجنب القيود التجارية الأمريكية، أبرزها الموقع الاستراتيجى، حيث تقع مصر فى مفترق طرق بين آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، ما يجعلها نقطة مثالية لنقل السلع للأسواق العالمية. كما توفر قناة السويس مسارا سريعا ومنخفض التكلفة لنقل البضائع إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وأشارت الدراسة إلى الاتفاقيات التجارية والمناطق الاقتصادية، لاسيما أن مصر لديها اتفاقيات تجارية مع أوروبا وأفريقيا (مثل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية AFCFTA واتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى)، وتتيح هذه الاتفاقيات وفقا للدراسة للمنتجات المصنعة فى مصر دخول هذه الأسواق بدون تعريفات جمركية، ما يجعلها أكثر تنافسية مقارنة بالمنتجات الصينية المباشرة.
ودعت الدراسة الحكومة إلى تذليل التحديات التى تواجه جذب هذه الاستثمارات من خلال الاستمرار فى تحسين التشريعات والإجراءات المتعلقة بالاستثمار الأجنبى، مشددة على تحسين الموانئ، السكك الحديدية، والطاقة لضمان كفاءة العمليات الصناعية، مشيرة إلى أن هناك دولا أخرى فى جنوب شرق آسيا مثل فيتنام والهند وماليزيا تجذب أيضا الاستثمارات الصينية، لذا يجب على مصر تقديم حوافز أكثر جاذبية.