محمد فاروق
هل تريد أن تسير فى هذه الحياة عبدا منقادا؟ هل ترغب فى أن تعيش أسيرا مسلوب الإرادة؟ هل تود أن تظل تابعا لا تجرؤ على مجرد تحديد أولوياتك؟ إذا كانت هذه رغباتك فالأمر فى غاية البساطة، فما عليك سوى فقط الانغماس فيما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعى.
فهذه الوسائل أخطر من الاستعمار التقليدى، وأشد من الجيوش، وأقوى من الأسلحة العسكرية، فالاستعمار رغم بشاعته فإنه يستولى على أراضٍ، يغتصب بلادا من أهلها، لكن تبقى إرادة الشعوب ومقاومتها له ورفضها لوجوده وعدم استسلامها لأطماعه، أما وسائل التواصل فهى وسيلة أبشع من الاستعمار للسيطرة على الشعوب، فهى تسلب الإرادة نفسها وتستولى على الفكر وتجرد الشخص من القدرة على الاختيار والتحكم فيما يريد، لينتج فى النهاية إنسان مشتت التفكير مشوش الذهن فاقد التركيز.
فالآن لم تعد الدول المستعمرة تحتاج لتحريك جيوشها لاستعمار دول أخرى، فهى تمارس ما هو أخطر ذلك من خلال الاستعمار الفكرى والسيطرة على الشعوب الأخرى عن طريق وسائل جديدة؛ من بينها وسائل التواصل الاجتماعى، فهى تتعمد أن تبعث برسائلها الهدامة وتبث أفكارها الشيطانية للمتلقى بطرق مختلفة وفقا لميول هذا المتلقى الذى يعتقد واهما أنه متحكم فيما يعرض عليه وأنه هو الذى يحدد تلك المواد والرسائل التى يتجرعها دون أن يدرى، ولكن فى الحقيقة الذى يحدث هو أن تلك الرسائل توجه بعناية فائقة لكل فئة ولكن بتغليف يختلف من شخص لآخر وفقا لاهتماماته، فهنا الاهتمامات والرغبات تستخدم فقط كمدخل للشخص ليس لإشباعها ولكن لاختراقه وزرع أفكار محددة بداخله، ليصير بعد فترة تابعا لتلك المواد وأسيرا لهذه الأفكار، بل ويتحول إلى باحث عنها ويلهث وراءها بعد أن أصبح مدمنا لها، وصارت هى التى تمثل رغباته واهتماماته.
والطرق متعددة للاختراق، فمثلا قد يتم بث أفكار التعصب بين الجماهير فى الرياضة، وتحويل الرياضة من وسيلة لتهذيب الأخلاق إلى ساحة للسب والقذف والتنمر والكره والتفرقة بين المشجعين باختلاف انتماءاتهم، إلى جانب غرس الفكر الميكافيلى “الغاية تبرر الوسيلة”، والوصول لجيل منكر للحقوق، مدلس غشاش، بل يفخر بالفوز بالغش، حتى تصبح تلك الصفات فى النهاية هى سمة المجتمع.
وفى الفن الذى يفترض أنه يرتقى بسمات الشعوب ويسمو بوجدانهم ويرقق مشاعرهم، نجد أن وسائل التواصل الاجتماعى تركز فقط على الجانب السلبى لبعض الفنانين بهدف نشر الانحلال والتحرر من قيم المجتمع وتقاليده.
وكذلك الإغداق على لاعبى كرة القدم والممثلين، وجنيهم للملايين فى الوقت الذى يعانى فيه معظم الشعوب من الصعوبات الاقتصادية، مما يولد الكره والحقد الطبقى، الأمر الذى يدفع الطلبة للنفور من التعليم، والعاملين لكره وظائفهم وأعمالهم.
وفى الدين، يتم نشر أفكار مغلوطة تدعو للتشدد والفتن ورفض الآخر والتمسك بالرأى الواحد والتسفيه من آراء الآخرين بل وقد يصل الأمر إلى تكفيرهم، وفى النهاية نصل إلى زرع الفتنة فى المجتمع بدلا من إفاضة السماحة وقبول الآخر واللين والمودة والمحبة التى تدعو لها الديانات السماوية.
وكذلك فى الوطنية، يتم زرع أفكار التمرد والرفض والكره تحت ستار حب البلد، لنصل فى النهاية إلى مواطن كاره لجنسيته ولبلده ولكل ما يتعلق بها.
أضف إلى ذلك أفكارا مغلوطة عن الطب والصحة تضر الناس، أفكارا خاطئة عن الأحوال المالية والاقتصادية للدولة للإضرار باقتصادها، أفكارا هدامة عن الزواج وعن التعامل بين الرجل والمرأة وعن التعامل بين الموظفين فى محل العمل وعن التعامل بين الناس وبعضها البعض، وأفكارا مدمرة للعلاقات الإنسانية بصفة عامة بدون أى سند علمى أو مرجع موثق أو دراسة معتمدة.
وغيرها فى كل جوانب المجتمع وبنيانه وقطاعاته ومؤسساته، ناهيك عما تسببه هذه الوسائل من إضاعة وهدر للوقت، إلى جانب ما تحدثه من تشتت ذهنى وعدم تركيز وبلاهة فى التفكير للأشخاص الذين يدمنون الموبايلات.
وفى النهاية نرجو أن نختار بإرادتنا ما يفيدنا من تلك الوسائل، وأن نكون على قدر عال من الإدراك والوعى عند التعرض للرسائل بهدف الفرز والاختيار، وعدم الانصياع وراءها بدون تفكير، إلى جانب أهمية الحفاظ على الوقت الثمين الذى نهدره فى تعاملنا مع الموبايلات.