· طونى غزال: منطقة الساحل الشمالى واعدة وتحظى باهتمام العالم وهى أحد أهم موارد النقد الأجنبى وفى ارتفاع من عام لآخر
· إلهامى الزيات: تنمية الساحل الشمالى ضرورية وستعود بالنفع الكبير على مصر
فاطمة إبراهيم
ارتبط الساحل الشمالى آخر عامين بالصفقات المليارية بالعملة الأجنبية، وتم مؤخرا توقيع صفقة “علم الروم” مع شركة الديار القطرية بقيمة 29.7 مليار دولار، وسبقها صفقة “رأس الحكمة” مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار.
فهل الساحل الشمالى يعد أحد موارد النقد الأجنبى لضخها فى شرايين الاقتصاد وإنعاش حركة السياحة فى مصر؟ ولماذا الساحل الشمالى؟ وما تأثير هذه الصفقات على الاقتصاد المصرى ومستقبل السياحة فى مصر؟
سلسلة من الصفقات الضخمة التى أبرمتها الدولة مع مستثمرين دوليين فى مواقع استراتيجية تمتد من “رأس الحكمة” إلى “العلمين” وصولا إلى “مراسى” البحر الأحمر، والصفقات الضخمة المتتابعة تؤكد تصاعد جاذبية السوق المصرية أمام الاستثمارات العربية، ومشروع “علم الروم” العملاق يأتى ليشكل امتدادا طبيعيا لنموذج الشراكة الذى بدأته الحكومة المصرية مع الاستثمارات الإماراتية فى مشروع “رأس الحكمة”، وليفتح فصلا جديدا فى ملف التنمية الساحلية وتحويل الساحل الشمالى إلى وجهة عالمية متكاملة.
وأكدت المصادر لـ”الإيكونوميست المصرية” أن السياحة أحد أهم موارد العملة الصعبة للاقتصاد المصرى، ويساهم قطاع السياحة فى الناتج المحلى الإجمالى بـ 3.7% خلال عام 2024 – 2025، مشيرين إلى أن الساحل الشمالى من المناطق الواعدة سياحيا فى مصر بسبب الموقع المتميز، وهو ما يفسر حجم الصفقات الكبيرة التى تم توقيعها مؤخرا.
وتقع منطقة “علم الروم” شرق مدينة مرسى مطروح بحوالى 10 إلى 15 كيلومترا، وعلى بعد نحو 50 كيلومترا من “رأس الحكمة”، مما يجعلها نقطة وصل بين أكثر منطقتين واعدتين على ساحل البحر المتوسط المصرى.
وجاءت تسمية “علم الروم” من وجود حصن رومانى قديم بها، وتُعد وجهة مفضلة لعشاق الصيد والسياحة العائلية بفضل هدوء شواطئها وجمال طبيعتها، حيث تتميز المنطقة بطبيعتها البكر وشواطئها الرملية البيضاء ومياهها الفيروزية النقية، وهى من أجمل المناطق التى لم تُستغل سياحيا بالشكل الكافى حتى الآن.
وتزداد أهميتها بفضل قربها من طريق الإسكندرية – مطروح – السلوم الدولى، وكذلك مطار مرسى مطروح الدولى الذى يمكنه استقبال رحلات مباشرة من أوروبا والعالم العربى، فضلا عن قربها من المدن السياحية الكبرى مثل العلمين ورأس الحكمة.
هذه المقومات تجعل “علم الروم” مؤهلة لأن تكون الوجهة الجديدة للسياحة والاستثمار على البحر المتوسط، خاصة مع وجود خطط حكومية لتطوير المنطقة بالكامل بالبنية التحتية الحديثة وشبكات الطرق والمرافق.
وأضاف الخبراء لـ “الإيكونوميست المصرية” أن الساحل الشمالى يتميز بقربه من أوروبا، ومن ثم سهولة التسويق السياحى، كما أن الساحل الشمالى يتسم بشواطئه الذهبية التى تمنحه دورا متزايد الأهمية فى خطة البلاد لتعزيز السياحة الأجنبية بسرعة وتحقيق هدف استقبال 30 مليون زائر سنويا بحلول 2031.
ومن شأن هذه الاستثمارات أن تسهم فى توفير العملة الصعبة لمصر، التى تنهض من أسوأ أزمة عملات أجنبية شهدتها البلاد فى الفترة الماضية والتى دفعتها لخفض قيمة العملة.
كما من المنتظر أن تسهم أيضا فى الدفع قدما بجهود جذب الاستثمار الأجنبى المباشر على نطاق واسع، بينما تتعهّد الدولة بتمكين القطاع الخاص.
من جانبه، أكد طونى غزال رئيس غرفة فنادق الإسكندرية والساحل الشمالى أن منطقة الساحل الشمالى واعدة وتحظى باهتمام العالم، لما تتمتع به من شواطئ وطبيعة خلابة، لافتا إلى أن الساحل الشمالى أحد أهم موارد النقد الأجنبى، وفى ارتفاع من عام لآخر لاسيما خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
ولفت إلى أن كثرة المشروعات السياحية والفندقية والقرى الاستثمارية التى تقام بمنطقة العلمين، وغيرها، فضلا عن المعارض التى تقام بأوروبا؛ كل ذلك زاد من الإقبال على السياحة فى مصر، لاسيما منطقة الساحل الشمالى وخاصة من أوروبا الشرقية والخليج .
وأضاف غزال أن مجموعة “عجلان وإخوانه القابضة” السعودية تسعى لضخ استثمارات أولية بقيمة 1.5 مليار دولار لإقامة مشروعات سياحية بمنطقة “رأس جميلة” المطلة على ساحل البحر الأحمر فى مصر.
كما بدأت مصر وضع مخطط استثمارى لمنطقة “رأس بناس” على البحر الأحمر بهدف طرحها على شركات القطاع الخاص لتطويرها، على غرار مشروع “رأس الحكمة”، وتُوصف “رأس بناس” بأنها من أكبر تجمعات الشعاب المرجانية البكر فى العالم، ويمتد لسان شبه الجزيرة بطول 50 كيلومترا داخل مياه البحر الأحمر، وتضم ميناء برنيس القديم.
يأتى هذا المشروع بينما تُكثف الحكومة المصرية جهودها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ضمن مساعيها لسد الفجوة التمويلية فى ميزانيتها، وخفض الدين الخارجى، وتعزيز دور القطاع الخاص، تماشيا مع برنامج الإصلاح الاقتصادى المتفق عليه مع صندوق النقد الدولى.
وتستهدف مصر جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 42 مليار دولار خلال العام المالى 2025-2026 الذى بدأ مطلع يوليو الماضى.
من جهته، ذكر إلهامى الزيات رئيس اتحاد الغرف السياحية سابقا، ورئيس مجلس إدارة “إمكو” للسياحة أن تنمية الساحل الشمالى ضرورية، وستعود بالنفع الكبير على مصر، مشيرا إلى أن مستثمرى هذه المنطقة يدركون جيدا أهمية التسويق، وأن ما ينفقونه على إقامة وتنفيذ مشروعاتهم سيعود أضعاف ما ينفقون.
وقال إن مصر تتمتع بميزة نسبية وهى اقتراب شواطئها من أوروبا، مما يجتذب الكثير من السياحة الأوروبية، وبها قوى شرائية عالية، مشيرا إلى أن مشروع “علم الروم” يأتى ضمن خطة توسع الشركة فى الأسواق الإقليمية الواعدة، لافتا إلى أن مصر تمثل وجهة استراتيجية رئيسية فى محفظة شركة “الديار” القطرية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما تأتى استثمارات “الديار” القطرية ضمن موجة توسع يشهدها قطاع التطوير العقارى فى الساحل الشمالى، الذى بلغ حجم مشروعاته نحو 70 مليار دولار، وفقا لتقديرات السوق.
وتسعى الشركة القطرية لتقديم نموذج تنموى طويل الأمد يواكب التطورات العمرانية فى مصر، ويضيف قيمة اقتصادية وسياحية للمنطقة.
فيما أوضح الدكتور ماجد عبد العظيم أستاذ الاقتصاد والخبير العقارى أن الساحل الشمالى يشهد إقبالا كبيرا من المستثمرين المصريين والعرب، مدللا على ذلك بتوقيع صفقة “علم الروم” التى سبقها صفقة “رأس الحكمة”.
وأضاف أن الساحل الشمالى محط أنظار الكثير من الدول، لاستهداف السياحة لاسيما الدول الخليجية كما أنه يمثل المقصد الرئيسى للمصريين فى الصيف، مما دفع كبار المطورين فى السوق المصرية لإنشاء مشروعات عقارية بالساحل الشمالى، لافتا إلى أن استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية وتمتع مصر بالأمن والأمان، فضلا عن علاقتها الخارجية
الجيدة، ووجود الفرص الاستثمارية الجاذبة، كلها عوامل ساهمت فى تنفيذ عقود بهذه القيم الضخمة.
ولفت إلى أن المستثمر يبحث عن فرصة استثمارية جيدة، فرأس المال يبحث عن حرية الدخول والخروج، بالإضافة إلى تحقيق الربح، مشيرا إلى أن تنوع الفرص الاستثمارية فى الاقتصاد المصرى، ففى منطقة البحر المتوسط يقام مشاريع سياحية متكاملة تزيد عدد الغرف الفندقية، وتقام المسابقات الرياضة المختلفة ومراسى اليخوت، كما أن الساحل الشمالى مأهول بالسكان طوال العام بسبب وجود ثلاث جامعات ومشروعات كثيرة، وكذلك المفاعل النووى للضبعة، ووجود الروس زاد من الإقبال على منطقة الساحل الشمالى .
ونوه إلى ارتفاع أسعار العقارات فى الساحل الشمالى خلال الصيف الماضى، سواء فى المشروعات القائمة أو المطروحة فى مدينة العلمين الجديدة، كل ذلك أدى إلى طفرة فى الساحل الشمالى.
وتتنوع المقومات السياحية التى تمتلكها مصر بشكل كبير مما جعلها وجهة متميزة ومتنوعة، وجعل القطاع من أبرز عشرة أنشطة اقتصادية، وواصلت مصر تصدرها لقائمة الوجهات السياحية الرائدة فى القارة الأفريقية للعام الثالث على التوالى، بحسب تصنيف العلامة التجارية الوطنية Nation Brand Performance لعام 2024/2025 الصادر عن شركة بلوم الاستشارية التابعة للمنتدى الاقتصادى العالمى.
ويأتى هذا الإنجاز مدفوعا بجاذبيتها السياحية المتنوعة، وتصنيفها المتميز بدرجة (AAA) من شبكة سى بى إس (CBS). والذى يعكس قوة أدائها الإلكترونى وتفاعلها المتنامى عبر منصات التواصل الاجتماعى.
وأشارت توقعات وكالة “فيتش” الأمريكية، إلى أن عدد السياح الوافدين إلى مصر سيصل إلى نحو 17.76 مليون سائح مع نهاية عام 2025، بزيادة سنوية قدرها 13.12% مقارنة بـ 15.7 مليون سائح فى عام 2024. كما توقعت المؤسسة أن يرتفع العدد بنسبة 4.5% ليبلغ 18.56 مليون سائح فى عام 2026. وعلى المدى المتوسط (2025– 2029)، من المرجح أن يسجل قطاع السياحة نموا سنويا متوسطا قدره 5.7% ليصل إلى نحو 20.65 مليون سائح بحلول عام 2029.
وبالتوازى، توقعت فيتش أن تنعكس هذه الزيادة فى حركة السياحة الدولية على العائدات، لتبلغ 17.1 مليار دولار أمريكى فى عام 2025، وترتفع إلى نحو 19 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2029 .




