الإيكونوميست المصرية
“الزراعة الذكية” مستقبل مصر لمواجهة تحديات المياه والمناخ

“الزراعة الذكية” مستقبل مصر لمواجهة تحديات المياه والمناخ

 

 

ولاء جمال

 

تعد الزراعة الذكية واحدة من أهم الاتجاهات الحديثة التى تعتمد عليها مصر فى تطوير القطاع الزراعى، خاصة فى ظل التحديات المتزايدة المرتبطة بندرة المياه وارتفاع عدد السكان وتأثيرات التغيرات المناخية.

وفى هذا السياق، أكد الدكتور محمد سالم مشعل، أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة بجامعة القاهرة وعميد المعهد العالى للعلوم التجارية ومستشار وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، أن تبنى الزراعة الذكية لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة لضمان استدامة الإنتاج الزراعى وتحسين كفاءة الموارد.

وأشار الدكتور مشعل إلى أن الزراعة الذكية تعتمد على دمج التكنولوجيا الحديثة فى مختلف مراحل العملية الزراعية، بداية من التخطيط للمحصول وحتى الحصاد وتشمل هذه التقنيات الزراعة الدقيقة، وجمع البيانات عبر الأقمار الصناعية، واستخدام أنظمة الاستشعار عن بعُد، بهدف تحسين الإنتاجية وترشيد استخدام المياه والأسمدة، وهى عناصر أصبحت ذات أهمية كبرى فى ظل الضغوط المائية التى تعانى منها مصر.

وأضاف أن أول أهداف الزراعة الذكية هو رفع الإنتاجية الزراعية، وذلك عبر الاعتماد على بيانات دقيقة تساعد فى تحديد احتياجات كل محصول بدقة، مما يساهم فى تحسين إدارة مراحل الزراعة المختلفة، وتقليل الفاقد، وزيادة كفاءة استخدام الأرض وإلى جانب الإنتاجية، تسهم هذه التقنيات فى ترشيد استخدام الموارد الطبيعية مثل المياه والمبيدات والأسمدة، إذ تتيح نظم الرى الحديثة كالرى بالتنقيط والرش إمكانية إيصال المياه والعناصر الغذائية مباشرة إلى الجذور بكميات محسوبة، وهو ما يقلل الهدر بصورة كبيرة.

وأشار إلى أن من بين الأهداف الرئيسية أيضا التكيف مع آثار التغير المناخى، حيث تعمل مراكز الأبحاث على استنباط أصناف جديدة من المحاصيل الزراعية تكون أكثر قدرة على تحمل الحرارة المرتفعة والجفاف والملوحة وقد بدأت مصر بالفعل فى إدخال أنواع مُحسَّنة من محاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة والأرز، بهدف ضمان استمرارية الإنتاج فى ظروف مناخية متقلبة.

 

وأضاف الدكتور مشعل أن الزراعة الذكية تساهم كذلك فى رفع دخل المزارعين، إذ تساعدهم على زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف، مما ينعكس بصورة مباشرة على العائد الاقتصادى للأسر الريفية، كما أن هذه التقنيات تخدم الهدف الوطنى الأكبر وهو تعزيز الأمن الغذائى من خلال ضمان توفر منتجات زراعية آمنة ومستدامة، تلبى احتياجات المواطنين فى ظل الزيادة السكانية المتسارعة.

أما على صعيد التطبيقات العملية، فقد بدأت مصر خلال السنوات الأخيرة فى تطبيق العديد من تقنيات الزراعة الذكية، فهناك استخدام واسع لأساليب الزراعة الدقيقة، والتى تسمح بتوزيع المياه والأسمدة بصورة متوازنة وفق احتياجات كل مساحة من الأرض، كما يتم استخدام أنظمة الاستشعار عن بُعد وصور الأقمار الصناعية لمتابعة حالة النباتات على مساحات واسعة ورصد أى تغيرات قد تصيب المحصول مثل الجفاف أو الأمراض.

وقال: إنه فى إطار التحول الرقمى، تعمل الدولة على تحويل بيانات الحيازات الزراعية إلى قواعد بيانات رقمية توفر صورة دقيقة عن المساحات المزروعة وأنواع المحاصيل، مما يساعد فى وضع سياسات زراعية أكثر دقة وفاعلية، كما يجرى دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة فى القطاع الزراعى من خلال برامج تمويلية مثل برنامج “ابتكار”، الذى يشجع الشباب على ابتكار حلول جديدة فى مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني.

وأوضح أنه رغم هذا التقدم، لا تزال هناك مجموعة من التحديات التى تواجه انتشار الزراعة الذكية على نطاق واسع فى مصر من أبرزها الحاجة إلى عمالة مدربة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، إذ يتطلب تشغيل الأجهزة والأنظمة الذكية مستوى أعلى من المعرفة التقنية، كما أن نجاح هذه التقنيات يعتمد على تعميم التجارب الناجحة وتطبيقها فى محافظات مختلفة، لضمان تحول فعلى فى طرق الزراعة التقليدية، إضافة إلى ذلك يحتاج المزارعون إلى زيادة الدعم والتدريب ليكونوا قادرين على استيعاب التقنيات الجديدة وتطبيقها بشكل صحيح، حيث يتضح أن الزراعة الذكية تمثل مسارا واعدا لمستقبل الزراعة فى مصر، واستثمارا ضروريا لضمان الأمن الغذائى وتحقيق التنمية المستدامة فى ظل تحديات العصر.

من جانبه، قال الدكتور إمام حسب النبى، أستاذ بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى بمركز البحوث الزراعية: إن الزراعة الذكية تمثل إحدى أهم الركائز الحديثة لتطوير القطاع الزراعى، إذ تعتمد على دمج التكنولوجيا المتقدمة فى مختلف العمليات الزراعية بهدف تحسين إنتاجية المحاصيل، وتقليل الفاقد، ورفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وعلى رأسها المياه.

وأكد أن هذا النمط من الزراعة لم يعد خيارا ترفيهيا، بل ضرورة لتحقيق الأمن الغذائى فى ظل التحديات المناخية والمائية التى تواجهها الدول.

وأوضح الدكتور إمام أن فوائد الزراعة الذكية متعددة، أبرزها زيادة الإنتاجية من خلال استخدام تقنيات تكنولوجية قادرة على تحسين جودة المحاصيل وكفاءة عمليات الزراعة، بما ينعكس على كمية الإنتاج ونوعيتها، كما تسهم فى توفير المياه عبر تطبيق أنظمة الرى الذكية التى تعتمد على تحديد الاحتياجات الفعلية للنباتات، ما يقلل من إهدار المياه ويرفع كفاءة استخدامها.

وأضاف أن من بين الفوائد المهمة أيضا تقليل التكاليف عبر تحسين كفاءة استخدام الأسمدة والمبيدات، وذلك من خلال أنظمة مراقبة دقيقة تساعد على تحديد الكميات المناسبة دون إفراط أو إهدار، كما تساهم الزراعة الذكية فى حماية البيئة من خلال الحد من استخدام الكيماويات وتقليل تلوث التربة والمياه، الأمر الذى يعزز من سلامة النظام البيئى الزراعي.

أما فى جانب مراقبة المحاصيل، فأشار إلى دور الأقمار الصناعية وتقنيات الاستشعار عن بُعد فى متابعة صحة النباتات والتعرف على المشكلات مبكرا، بما يسمح بالتدخل السريع وتفادى خسائر كبيرة.

وفيما يتعلق بموقف مصر عربيا وأفريقيا وعالميا فى مجال الزراعة الذكية، أكد الدكتور إمام أن مصر تعد من الدول الرائدة فى هذا المجال داخل المنطقة العربية والقارة الأفريقية، حيث تبذل جهودا مستمرة لتحقيق التنمية المستدامة فى القطاع الزراعى عبر توظيف التكنولوجيا الزراعية الحديثة.

وأشار إلى أن مصر التزمت بشكل واضح بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للزراعة المستدامة 2030، والتى تهدف إلى رفع الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات الزراعية وضمان استدامة الموارد الطبيعية.

كما تعتمد مصر على توسيع استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الزراعة الدقيقة، ونظم الرى الذكى، وتقنيات الاستشعار عن بُعد، بما يسهم فى تقليل الهدر وتحسين الإنتاج، مؤكدا أن مصر تعمل أيضا على تعزيز التعاون الدولى من خلال شراكات قوية مع منظمات عالمية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، بهدف دعم تطبيق الزراعة الذكية داخل مصر وفى المنطقة ككل.

وأشار إلى أن مصر تلعب دورا قياديا فى الإقليم العربى والأفريقى من خلال نقل التكنولوجيا الزراعية الحديثة إلى الدول الأفريقية، والمشاركة فى مبادرات إقليمية لتعزيز الأمن الغذائى، كما تشارك بفاعلية فى الفعاليات الدولية التى تناقش مستقبل الزراعة الذكية والتنمية المستدامة، وتعمل على دعم التجارة الزراعية مع دول العالم بما يخدم خططها لتحقيق الأمن الغذائى وتعزيز مكانتها الزراعية عالميا، وهو ما يؤدى إلى ترسيخ مكانة مصر كإحدى الدول الأكثر تقدما فى توجهها نحو الزراعة الذكية، بما يدعم تنمية القطاع الزراعى ويواجه التحديات المستقبلية بكفاءة ورؤية واضحة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *