الإيكونوميست المصرية
الإصلاح اقتصادى المصرى يستحوذ على اهتمام المسئولين الأمريكيين

الإصلاح اقتصادى المصرى يستحوذ على اهتمام المسئولين الأمريكيين

رسالة واشنطن: أشرف الليثى
لم تكن بعثة طرق الأبواب التابعة لكل من غرفة التجارة الأمريكية بمصر ومجلس الأعمال المصرى الأمريكى إلى واشنطن هذا العام مجرد بعثة عادية، حيث إنها جاءت فى وقت يسبق مباشرة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى المهمة لواشنطن ولقائه مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى وقت حيوى للغاية، بالإضافة إلى أنها تتوافق مع مرور 40 عاما على تأسيس مجلس الأعمال المصرى الأمريكى والذى لعب دورا مهما فى تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، علاوة على أنها تـأتى فى نهاية المرحلة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى والذى يعتبر أول برنامج تنفذه حكومة مصرية كاملا وحقق نتائج أبهرت المؤسسات المالية الدولية لدرجة أن صندوق النقد والبنك الدوليين يعتبران تلك النتائج نموذجا يفتخران به دائما.
وحقيقةً تعتبر بعثة طرق الأبواب من أفضل الأعمال التى تقوم بها منظمات رجال الأعمال المصريين الذين يتحدثون بصفتهم وليسوا من موظفى الدولة الرسميين، ولذلك تكون مصداقيتهم لدى رجال الكونجرس أو أصحاب الأعمال أو حتى فى المؤسسات البحثية أكثر إقناعا. وعلى مدى خمسة أيام قام وفد البعثة، الذى ضم فى عضويته 36 عضوا، بعقد 89 اجتماعا مع مؤسسات رسمية أمريكية ومراكز أبحاث، وهيئات دولية منها 33 اجتماعا مع أعضاء الكونجرس الأمريكى، و10 اجتماعات مع مساعدين لنواب، و6 مع قيادات مساعدين لنواب بالكونجرس واجتماع مع إدارة أبحاث الكونجرس التى تصدر تقريرا سنويا عن مصر.
وقال عمر مهنا رئيس مجلس الأعمال المصرى الأمريكى إن أفراد البعثة استعرضوا خلال الاجتماعات قصص النجاح الاقتصادى فى مصر، وإنه تم التركيز على أدوات القوى الناعمة المصرية فى المنطقة العربية، خاصة بعد استضافة مؤتمر القمة العربية الأوروبية فى شرم الشيخ. وكشف أن ملف اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والولايات المتحدة كان من بين أبرز الملفات التى تلقى دعما من جانب مجتمع الأعمال الأمريكى، مشيرا إلى عدم وجود اعتراضات على إبرام الاتفاق، بل على العكس من ذلك فإن مجتمع الأعمال يدرك أهمية الاتفاق على حجم ومعدلات التجارة بين البلدين، لافتا إلى أن الغرفة الأمريكية والمركز المصرى للدراسات الاقتصادية قاما بالبدء فى عمل دراسات بحثية عن الاتفاق وتأثيراته على الاقتصاد المصرى.
ولم تكن نتائج الإصلاح محط اهتمام كبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية فقط بل فى مراكز الأبحاث المؤثرة فى القرار الأمريكى، حيث خصص مركز دراسات الشرق الأوسط ندوة بالكامل لمناقشه برنامج الإصلاح وأهم نتائجه. فيما أكد طارق توفيق رئيس غرفة التجارة الأمريكية بمصر ورئيس بعثة طرق الأبواب إلى العاصمة واشنطن، أن المقارنة بين ما كان عليه الوضع الاقتصادى فى مصر فى أعقاب يناير 2011 والآن توضح حجم الإنجاز الضخم الذى تحقق خلال الأربع سنوات الأخيرة، مشيرا إلى ما عاناه الاقتصاد قبل تنفيذ برنامج الإصلاح من دعم ضخم يذهب معظمه إلى غير مستحقيه وعجز متزايد فى الموازنة واختلال فى أسعار الصرف مع ندرة العملة وتباطؤ النمو وارتفاع البطالة، وقد تحول كل ذلك بحيث أصبح النمو يدور حول 5.5% وتم ترشيد الدعم بجرأة ومن المأمول النزول بعجز الموازنة إلى 8.7% من الناتج المحلى، وأصبحت سوق الصرف حرة تماما، وتراجعت البطالة من 14% إلى 9%.
وأضاف توفيق، فى ندوة عن دور القطاع الخاص فى الاقتصاد المصرى نظمها معهد دراسات الشرق الأوسط فى قلب العاصمة الأمريكية واشنطن وحضرها عدد كبير من الأمريكيين المهتمين بالسوق المصرية، أن هناك سمتين بارزتين فى عملية الإصلاح الاقتصادى الدائرة فى مصر الآن أولاهما أن البلاد اختارت أن تمضى فى مسار سريع جدا للإصلاح الشامل، والثانية وجود إرادة سياسية واضحة للاستمرار فى الإصلاح ومواجهة التحديات، أملا فى الوصول بمعدل النمو إلى 7.5%، وكان طبيعيا فى ظل كل ذلك أن يتشجع القطاع الخاص لمزيد من الاستثمار وتتجاوب قطاعات المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع ذلك الإصلاح مع تهيئة الأجواء لضم القطاع غير الرسمى إلى المنظومة الرسمية .
وقال توفيق إن مصر كسرت الاحتكار فى قطاع الغاز وسمحت للقطاع الخاص بأن يستورد ويوزع، كما أنها كسرت أيضا الكثير من المحرمات فيما يتعلق بالتعاون الإقليمى فى مجال الغاز ووظفت ما لديها من إمكانيات وبنية تحتية لتصبح بحق أهم مركز للطاقة والغاز فى المنطقة .
من جهتها أكدت داليا وهبة عضو البعثة أن من الاتجاهات الجديدة للقطاع الخاص عنايته بالتدريب والتعليم وهو يقيم لذلك أكاديميات ومدارس ومراكز تدريب متطورة، وأصبح هناك فى النهاية شبكات من المصريين المزودين بمهارات عالمية المستوى فى مجالات مختلفة، يضاف إلى ذلك أيضا التطور الذى حدث فى مجال ريادة الأعمال فى مصر، والذى دفع أعدادا كبيرة من المصريين للعودة من الخارج وإقامة مشاريعهم فى مصر .
وأضافت أن تحسين وضع المرأة فى عالم الأعمال يشكل تحديا بالفعل، وهناك الكثير من المبادرات للتعامل مع هذا الملف .
وقال جرجس عبد الشهيد عضو البعثة إن عدد الشركات البادئة والتى تنطلق من فكرة محددة (ستارت أبز) فى تزايد لافت ونسمع فى كل يوم عن نماذج مبتكرة فى هذا المجال وأصبح هناك قاعدة من الشباب الذكى الذى يقبل التحدى فى المنافسات العالمية فيما يتعلق بالابتكار والتكنولوجيا ويحقق تفوقا ملحوظا .
وأضاف أن هناك ثلاثة أمور لو قامت بها مصر لحققت قفزة سريعة، أولها استكمال تحرير أسواق الطاقة والغاز والكهرباء بما فى ذلك إدخال البيوت فى هذه المنظومة وإفساح مجالات أوسع للقطاع الخاص، والثانى هو تفعيل تنفيذ قانون التراخيص مشيرا إلى أن ذلك سيخدم الشركات المتوسطة والصغيرة لأن الشركات الكبيرة تستطيع أن تجد طريقها فى النهاية، والثالث هو قانون الفضاء السيبرانى الخاص بتأمين المجال الإلكترونى المصرى وإطلاق الشركات للعمل بدون مخاطر.
وأوضح عبد الشهيد أنه مع ما تقدم ومع وجود بنية أساسية سليمة وبذل مزيد من الجهود فى مجال إقرار حكم القانون وسرعة تنفيذه، فإن مصر ستحقق انطلاقة كبيرة .
من جانبها قالت سارة البطوطى عضو البعثة إن الأهم فى كل ما يحدث من أجل إصلاح الاقتصاد وزيادة الثروة القومية هو رفع مستوى الدخول وزيادة الرفاهية لأن الناس وحياتهم هم الأمن القومى بالمفهوم الحقيقى، وأضافت أنه تحدٍ أن تمضى مصر على طريق النمو المستدام والطويل المدى وتخلق مع ذلك عددا كافيا من الوظائف .
وذكرت أن عمليات التأهيل الأكاديمى والعملى للشباب الجارية حاليا ستتيح لهم أن ينطلقوا إلى أفريقيا وكل مكان ،وأكدت أن أفضل حل للمشكلة السكانية هو تعميق التنمية ورفع مستوى الخدمات الأساسية وفى مقدمتها التعليم والصحة والاهتمام بالمرأة .
وكان للوفد الإعلامى المرافق لهذه البعثة لقاءات مكثفة مع كبار المسئولين فى صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث وصف السفير راجى الأتربى المدير التنفيذى المناوب فى البنك الدولى ما يحدث فى مصر بأنه ليس إصلاحا اقتصاديا وإنما تنمية شاملة فى كافة المجالات، حيث تقوم الحكومة المصرية بتنفيذ مشروعات تنموية ضخمة دون أن تكلف ميزانية الدولة شيئا، ضاربا المثل بمشروع بنبان وهو أكبر مشروع طاقة شمسية فى العالم، حيث جذب المشروع استثمارات خارجية بقيمة 2 مليار دولار وسينتج عنه كهرباء بنحو 1.6 ميجاوات. ولفت الأتربى إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادى الحالى الذى نفذته مصر بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين يعتبر أول برنامج يتم تنفيذه كاملا رغم قسوة الظروف وتعداد مصر الحالى مائة مليون نسمة حيث إن برنامج الإصلاح الذى بدأته مصر فى أوائل التسعينيات لم يكتمل وكان تعداد مصر حينئذ 55 مليون نسمة مما كلفنا الكثير بعد ذلك.
وكشف أن هناك مفاوضات بين البنك الدولى والحكومة المصرية لتمويل مشروع ضخم فى مجال البنية الرقمية، غير أنه تحفظ على توضيح تفاصيله حتى يتم الاتفاق بشأنه. وقال إن هذا المشروع تشارك فيه وزارة الاتصالات ببرنامج شامل للتطوير.
ودلل على العلاقة المتميزة للبنك الدولى مع مصر قائلا إن البنك هو جهة التمويل الوحيدة التى لم تنقطع عن دعم مصر وتمويلها يوما واحدا فى أعقاب يناير 2011، كما أنه قدم لمصر قبل بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى 3 مليارات و150 مليون دولار لدعم سياسات التمويل.
وذكر أن احتياج مصر لتمويل مشروعات البنية الأساسية للعشرين عاما المقبلة يقدر بنحو 675 مليار دولار ستقوم الحكومة بتدبير 445 مليار دولار منها والفجوة التمويلية الباقية والتى تقدر بنحو 230 مليار دولار سيتم تمويلها من القطاع الخاص، موضحا أن ذلك معروف لدى الدولة بمختلف مستوياتها، ما يؤكد أن القطاع الخاص يبقى شريكا لازما فى التنمية.
من جهته أوضح سوبير لال رئيس بعثة صندوق النقد الدولى لمصر أن برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى الذى يدعمه الصندوق، يسير بشكل جيد وأن الهدف من الإصلاحات بشكل عام هو ضمان وجود بيئة اقتصادية مستقرة وتحسين مستويات معيشة المصريين، وإيجاد مناخ يسمح بخلق فرص استثمارية للقطاع الخاص، مؤكدا أن الاقتصاد يواصل النمو، وأن معدل البطالة انخفض إلى أدنى مستوى له منذ 2011، كما ارتفع احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى إلى مستويات مريحة، وأن الدين العام يواصل الانخفاض نتيجة جودة الإدارة المالية العامة. وأشار”لال” إلى أن سياسات الإصلاح الاقتصادى ستساهم فى كبح جماح التضخم بشكل كبير، مما يساعد الحكومة على زيادة الاستثمار فى التعليم والصحة، كما يمثل مساندة قوية للفئات الأكثر احتياجا من السكان.
وأوضح أن السياسات المطبقة تتضمن تخفيض عجز الموازنة العامة، وتوفير أراضٍ صناعية، وتعزيز سياسة المنافسة، وجودة إدارة المؤسسات المملوكة للدولة.
وأضاف أن المثابرة فى تطبيق الإصلاحات أمر ضرورى لخلق فرص عمل جديدة، ودعم الطبقات المتوسطة.
فيما قال الدكتور ميرزا حسن عميد مجلس المديرين التنفيذيين بالبنك الدولى إن مصر أصبحت الآن فى المستوى المتوسط بين دول العالم لدى البنك الدولى نتيجة ارتفاع متوسط دخل الفرد بها ولذلك انتقلت من مستوى الدول الأقل نموا إلى المستوى الأعلى ويحق لها أن تحصل على قروض تصل إلى أربعة مليارات دولار خلال ثلاث سنوات، إلا أنه كشف أنه لا توجد طلبات مصرية للاقتراض من البنك الدولى فى الوقت الراهن، مشيرا إلى أن إجمالى ما حصلت عليه مصر من قروض من البنك الدولى فى الفترة من 1950 إلى 2020 بلغ 18.4 مليار دولار، منها 8 مليارات دولار فى الفترة من 2010 إلى 2020 .
وأوضح أن أكثر من نصف استثمارات البنك الدولى فى مصر يتم توجيهها الآن إلى قرى صعيد مصر، فى حين كانت 64% منها توجه إلى القاهرة قبل ذلك وكان جانب منها يتجه إلى القطاع المالى، أما الآن فإنها أصبحت توجه إلى مشاريع ذات عائد مباشر على المواطنين.
وأكد أن أهم ما يمكن تقديمه للطبقة المتوسطة فى مصر هو خلق نمو قوى والحفاظ عليه مشيدا بمستوى النمو الذى تحقق فى مصر فى العامين الأخيرين وكذا المستهدف تحقيقه فى السنوات المقبلة .
وحذر ميرزا من الزيادة السكانية التى تعتبر أكثر ما يثير القلق فى الحالة المصرية، لأن استمرار النمو السكانى بالمعدلات الحالية يجعل من الصعب تقديم خدمات بجودة عالية للمواطنين ويقلل من شعورهم بآثار التعافى الاقتصادى الذى تحقق.

Related Articles