الإيكونوميست المصرية
كورونا.. مركز لتعليم البشرية………..بقلم: محمد فاروق

كورونا.. مركز لتعليم البشرية………..بقلم: محمد فاروق

بقلم: محمد فاروق

كورونا.. ليس مجرد فيروس يغزو العالم بضراوة، ليس مجرد مرض يهاجم البشرية بقسوة، ليس مجرد خطر يخشاه الجميع دون تفرقه، إنه رسالة لكل إنسان على وجه الأرض ودرس وعبرة لكل من يعتبر.
فقد وجه فيروس لا يرى بالعين المجردة، رسالة للعالم بأسره بكافة خبراته وتقنياته بكل تطوره وعلمه بأنه أضعف مما يتخيل البشر، وذلك بعد أن وقفنا جميعا حائرين عاجزين أمام هذا الفيروس الضئيل.
بعث الفيروس برسالة للعالم بضرورة التخلص من صراعاته الساذجة وتقويم الفكر البشرى المحدود المنحصر فى كيفية الاستحواذ دون الاتحاد وكيفية تحطيم الآخر دون التعاون معه، وأوضح الفيروس مدى أهمية تكاتف الجميع لمواجهة الخطر الذى يهدد البشرية كلها.
وفرض علينا أن ندعم كل دول العالم ولا نترك أى مكان فيه فريسة للجهل أو الفقر، فقد اتضح أن أى مشكلة تقع فى أى مكان قد تنتقل للعالم كله بأسرع مما نتصور وتصيبه بالشلل التام، فلم نعد دولا وشعوبا مختلفة بل مصيرنا واحد.
كما وجه الفيروس رسالة بأهمية إنزال المهن السامية الحيوية منزلتها الطبيعية التى تليق بها، بعد أن تبوأت المهن الترفيهية الإلهائية الصدارة فى التقدير المادى والمعنوى، حيث صار الطبيب مثلا هو المنقذ للعالم من افتراس الفيروس وأصبح الباحث العلمى هو المنتشل للبشرية من براثن المرض وغيرهما من المهن المهمة. فنحن لن نموت إذا لم نشاهد المسلسلات أو الأفلام أو مباريات كرة القدم، ولن نتهاوى إذا لم نستمع إلى الأغانى، فنحن لا نطالب أبدا بمحو الترفيه بل وضعه فى مكانه الطبيعى فقط.
أما على مستوى مصر، فقد أوضح الفيروس أننا نحارب كورونا فى عدة جبهات؛ فنحن لا نواجه الفيروس وحده بل نصارع الجهل والأحوال الاقتصادية والفقر والمتآمرين والمشككين وأصحاب المصالح والمنتفعين، وغيرهم.
فللأسف.. تجلت دناءة أصحاب الأجندات الخاصة الذين لم يردعهم هذا الخطر الداهم عن أفكارهم ومصالحهم الشخصية الدنيئة بل أنهم استغلوا ذلك فى محاولة تأجيج المشاكل لإسقاط الدولة.
كما تبين لنا ضرورة إعادة حسابتنا فى كثير من سماتنا المتأصلة وأهمية أن نستثمر الصفات الإيجابية التى تحلينا بها هذه الفترة من نظافة ونظام والتزام، وتنظيم أماكن تواجد الباعة الجائلين، وضم العمالة غير المنتظمة لمنظومة الاقتصاد الرسمى، والتخفيف من الضغط على مرافق الدولة من خلال غلق المحلات فى وقت مبكر وليس كما كان يحدث من قبل من سهر طوال الليل.
واتضح لنا حتمية أن تكون الدولة منتجة وأن نغلق دائرة الإنتاج كاملة ونزيد من دعم الصناعة والزراعة وعدم اللجوء للاستيراد إلا فى أضيق الحدود.
كما أظهر الفيروس تغير الأحوال وتقلبها بأسرع من قدرتنا على التخيل، فبعد أن كانت الهجرة من مصر إلى أوروبا تجرى فى اتجاه واحد سواء بشكل شرعى أو غير ذلك، صارت الآن تتخذ الاتجاه العكسى والجميع يتمنى دخول الأراضى المصرية لدرجة دفعت خفر السواحل لرفع أقصى درجات الاستعداد لتأمين الحدود من الهجرة غير الشرعية من أوروبا لمصر!!
أما على المستوى الاجتماعى، فقد أعاد لنا هذا الفيروس سعادتنا بالجلوس وسط عائلتنا وأولادنا وأوضح لنا أهمية المكوث معهم فترات أطول من السابق، وأرجع للأسرة المصرية الدفء القديم الذى لم تألفه أجيال اليوم ونفتقده جميعا.
رب ضارة نافعة، فالحكيم هو الذى يتعلم من أخطائه وأخطاء غيره، فلابد أن نتيقظ ونعيد حساباتنا ونقف مع أنفسنا وقفة تعقل وتفكر حينها سنتخلص من الكثير من أشياء لم يكن لها أى أهمية سوى فى عقلنا الضحل، وسندرك أننا أهملنا كنوزا وهجرنا دررا احتجب بريقها فى عقولنا وراء صفيح صدئ.

Related Articles