بقلم: نيفين إبراهيم
يتصدر الكورونا فيروس المشهد العالمى والإقليمى والمحلى ليأخذ دور البطولة دون منازع ويستأثر باهتمام كل البشر على وجه الأرض.. ولعل الاهتمام به كفيروس وبماهيته قد انزوى بعض الشىء وحل محله الآن سؤال آخر على لسان كل إنسان على وجه الأرض، ألا وهو… وماذا بعد؟ ماذا لو طال الوضع؟ كيف سنأكل؟ وكيف سنعيش؟.. فغالبية سكان العالم ليسوا موظفى حكومات، بل أكثر يتكسبون من وظائف تتطلب التعايش وتبادل الخدمات مقابل أجور.
اكتشفنا فجأة أن كل إنسان على وجه الأرض مهدد بالجوع، حتى فى أمريكا، بلد الأحلام، فوجئنا بانهيار الاقتصاد انهيارا هو الأسوأ منذ الثلاثينيات.. وإذا أطلقنا العنان لخيالنا، فسنرى سيناريوهات لايمكن تصور كم الأحداث الدراماتيكية فيها.
“ما شعورك وأنت فى دولة الإمارات بينما تواجه مثل هذه الأزمة؟”
سؤال طرحته على كل المحيطين بى من أهل وأصدقاء عندما رأيت بعض المصريين فى أمريكا ودول أوروبية كثيرة يسارعون بالعودة لمصر فورا بمجرد انتشار الوباء، وجاء الرد من كل من حولى على اختلاف جنسياتهم ومستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية واحدا.. “نحمد الله كثيرا على أننا واجهنا هذا الفيروس فى الإمارات”.. وكيف لا ونحن نعيش فى دولة قوانينها نافذة والالتزام عنوانها.. تحركت أجهزة دولة الإمارات بسرعة وبحسم وشفافية.. لم نشهد تخبطا، بل قرارات مدروسة تتواءم مع طبيعة الحدث وخطورته.. ذكرنا سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان فى خطابه وقال إنه تأثر من حب الوافدين للدولة وولائهم لها، ولأن الحب بالحب والبادى أكرم، لم يمس قادة الإمارات أى وافد بسوء ولم يصدر عن أى منهم أو من مواطنى دولة الإمارات تصريحات مسيئة للوافدين ولم يظهروا أنانية أو استعلاءً مثلما حدث فى دولة عربية أخرى، بل أكدوا أن الجميع سواسية أمام الفيروس وأن المستشفيات والخدمات الصحية، متوفرة للجميع وبلا أى تفرقة.
توقعت أن دولة الإمارات ستملى على الجميع عمل الاختبارات حتى تتمكن من حصر الحالات.. وبالفعل تم، واستلمنا تعليمات بأن تقوم المؤسسات التجارية والاقتصادية فى الدولة بعمل التحليل إجباريا لكل موظفيها وإلا تتعرض لغرامات مالية ضخمة. لا يمكن أن نحكم على دقة العدد الإجمالى للحالات فى أى دولة بما فيها أمريكا إلا إذا قام جميع السكان بالفحص وهو ما لايمكن عمله فى أى مكان آخر فى العالم، نتيجة لارتفاع تكلفة الاختبارالتى لا تقدر عليها ميزانية معظم الدول..لا شك أننا محظوظون فى الإمارات، فقاداتها لا يستخسرون أية استثمارات فى صحة مواطنيها ومستوى التعليم والخدمات التى من شأنها الارتقاء بهم..
وماذا عن مصر (أم الدنيا)، طبيعى جدا أن أتابع كل يوم أخبار مصر، فهى بلدى وموطن أهلى وأصدقائى وأحبابى، فماذا وجدت؟.. وجدت بلدا طبيعيا مثله مثل أى بلد آخر فى العالم، يعج بالسكان وله طبيعته الخاصة من حيث ثقافة سكانه التى لا تفعل إلا ما يوائمها بغض النظر عن كونه صحيحا أم خطأ.. لم تقصر الحكومة فى شىء، فعلوا كل ما يستطيعوه، ولا يمكن أن نلومهم ولم يتركوا لأعداء الأمة ثغرة للنفاذ منها، ولكن ثقافة الشعب لا تقبل أى إملاءات.. كنت أتعجب من خروج البعض لقضاء مصالح أو لتجمعات عائلية أو حتى حفلات، والأكثر غرابة هو أنه حتى الطبقة المتعلمة المثقفة تعاملت مع الأزمة بما يوافقها، فأخذت احتياطاتها وعملت اللازم ولكن إذا استدعى الأمر بعض التجمعات العائلية فى مناسبات مثل عيد القيامة وشم النسيم مثلا، فحتما لن يضيعوه.. لم يتقصر الأمر على الطبقات الفقيرة الأمية المهمشة، للأسف حتى المتعلمين والمثقفين، لمحت من كثير منهم نوعا من الاستهتار لم يكن مفهوما أبدأ فى البداية، ثم فهمت لاحقا أن مصر لها تركيبة خاصة وكما قلت فى المقال السابق، يخرجون من كل مصيبة وأزمة بشىء جديد ومبهر لا يمكن توقعه أبداً. هذا لايعنى أننى أوافق على الضرب بأية أحتياطات احترازية عرض الحائط، أنا فقط أوثق لما رأيته.
وتحدثت مع طبيبة فى موقع مسئولية فى مصر وسألتها عن طبيعة المرحلة، فقالت لاحظنا أن 85% من الحالات فى مصر جاءت خفيفة ومرت مرور الكرام ولا يوجد تفسير محدد لهذا ولكن الجهات المعنية تدرس الأمر لتتوصل للسبب. وعن نسب الوفيات، قالت إنها فعلا هى النسب المعلنة وقالت أيضا حتما لا نجرى الاختبارات بنسب عالية لأنها مكلفة وغير متوفرة مثلما هى فى الإمارات، ولكن من المؤكد أنه فى حال تزايد الحالات المميتة، فحتما لم يكن الأمر ليختبئ..وتأملت الكلام ووجدته منطقيا.
وتصادف أن شاهدت فيديو لطبيب متخصص فى الفيروسات فى أمريكا وكان يقول إن بعض حالات الوفيات فى الولايات المتحدة يتم تشخيصها على أنها بسبب كورونا فى حين أنه لم يتم إجراء الفحوصات أصلا للـتأكد من الحقيقة.. وانتشر فيديو على مواقع الاتصال الاجتماعى لأمريكية من أصول أفريقية تعلن وفاة شقيقتها بسبب كورونا وتؤكد أنهم ذهبوا للمستشفى مرة واثنين وثلاثة وأنه لم يتم عمل التحليل لأختها ولكنها فى النهاية ماتت وكتبوا فى شهادة وفاتها أن السبب هو فيروس كورونا، وكانت الشقيقة تُحمل الدولة مسئولية وفاة شقيقتها وتنعتهم بالإهمال والاستهتار بالفقراء… ولن أزيد ولن أعقب، بل أتركها للقارئ ليستبنط ويحاول أن يفهم.
كل ما يهمنى من هذه الاستعراض هو الحقيقة الواحدة التى توصلت إليها منذ عقود، فقد أتيح لى السفر كثيرا، وكانت سفراتى متنوعة وكثيرا منها فى مرحلة ما كانت للعمل، فاحتككت بشعوب مختلفة فى كل مكان عن قرب، وتوصلت إلى حقيقة مؤكدة وهى أننا فى مصر مثلنا مثل غيرنا لاينقصنا شىء.. نعم نحن دولة نامية، لا تنتج مثلما تستهلك ولكن المحاولات مستمرة والأجيال الجديدة تعتنق أفكارا أكثر واقعية عن العمل والنجاح ولن يظهر ثمار أية محاولات قبل عدة عقود ولكن أتصور أننا على الطريق الصحيح، فلدينا أهم عنصر من عناصر التنمية الاقتصادية بلا منازع، ألا وهو الثروة البشرية، الشباب فى سن العمل.. مصر دولة فتية على عكس دول كثيرة متقدمة على وشك الاندثار بسبب اختفاء الشباب فى سن العمل من تشكيلها الديموغرافى… مشكلتنا الحقيقية هى فى طبيعتنا التى ترفض القيود ولا تقبل بأى إملاءات.. ويوجد لدينا فى مصر طبقات متنوعة، تختلف كثيرا عن بعضها ولكنها فى النهاية تحمى بعضها البعض دون أن تعلم وربما دون أن تعرف أنها تفعل هذا.
وفجأة أتى شهر الصوم والمغفرة والعتق من النار، فإذا به يفرض نفسه فرضا ويطلب من الكورونا فيروس أن يتنحى جانبا، لأننا مش فاضين، ورانا صيام وتراويح و مسلسلات وبرامج رمضانية مستفزة، نشتمها ليل نهار ومع ذلك يشاهدها تحديدا من يسبونها بل ولا يفوتون حلقة واحدة منها ! وطبعا كان لزاما على دولنا العربية سواء فى الإمارات أو مصر تخفيف بعض قيود الحظر، حتى يتسنى لنا الاحتفال بطقوس شهر الرحمة.. فخففت الإمارات جزئيا بعض القيود وأيضا مصر.. لنكتشف اكتشافا رائعا، ألا وهو أن الحياة مستمرة وأنه لا يمكن لفيروس أن يوقفها وأنه عاجلا أم آجلا، سيفعل العالم كله ما فعله المصريون من أول يوم، أخذ الحذر والحيطة والاستمتاع قدر المتاح بالمناسبات، لأن ساعة الحظ (وليس الحظر) ما تتعوضش.
باختصار الوعى مطلوب وكل إنسان عليه أن يدرك المخاطر ويحتاط ويختار، فحماية أنفسنا فى النهاية هى اختيار ولا أحتاج أن أقول إن العنصر الحاسم فى معركتنا مع الكورونا فيروس هو اختيارنا.. وهو أيضا بطل الدراما الرمضانية لهذا العام باقتدار.