بقلم: محمد فاروق
المنطقة العربية شهدت فى العقد الأخير أزمات شديدة وثورات جارفة وتغيير أنظمة حكم وحروب وعمليات عسكرية وهزات اقتصادية، كل هذا لم يكن وليد الصدفة بل هو مخطط مدروس ومعد مسبقا، شارك فيه العديد من الدول منها من رسمه ومنها من موله ومنها من نفذه.
وهنا سنتحدث عن دولتين مازالتا مستمرتين فى لعب دور رئيسى فى هذا المخطط، هما تركيا وقطر اللتان التقت مصالحهما الشيطانية فى هذا الوضع المتوتر فى المنطقة.
فتركيا تعيش أضغاث أحلام الزعامة التاريخية للدولة العثمانية، وهذا الحلم تلألأ خاصة بعد أن باءت كل محاولاتها للانضمام للاتحاد الأوروبى بالفشل حتى مع تنازلاتها العديدة التى قدمتها مثل الإبقاء على العلمانية وإلغاء عقوبة الإعدام، رغم ادعاء أردوغان تدينه ومرجعيته الإسلامية، فرأت أنقرة أن توجه بوصلتها نحو الدول العربية والإسلامية على أمل إعادة إحياء زعامتها المفقودة.
أما قطر فهى دولة صغيرة فوجئت بالأموال تتدفق تحت قدميها دون أى عناء أو مجهود، مما أصابها بجنون العظمة والرغبة فى أن يكون لها نفوذ وقيمة وهيمنة فى المنطقة كنوع من أنواع تعويض النقص وإثبات الذات، فماذا تفعل؟ رأت أن تضع يدها فى يد تركيا فى صفقة مصالح متبادلة من أجل الهيمنة على المنطقة.
وبالفعل بدأت الدولتان السعى للوصول إلى الهدف المنشود بالسيطرة على الدول العربية عن طريق ارتداء عباءة الدين واستخدام تيارات الإسلام السياسى الموجودة بكل دولة ومساعدتها للوصول إلى سدة الحكم من أجل ضمان ولائها بعد ذلك.
وبدأت الخطة فى التنفيذ، وبالفعل نجحت، وأخذت الدول العربية تسقط الواحدة تلو الأخرى بين مخالب هذه التيارات التى تدعى الفضيلة والحكم بالشريعة، إلى أن جاءت مصر وأقصت جماعة الإخوان الإرهابية قبل أن تنشر سمها داخل كل ربوع الدولة، لتوجه بذلك ضربة قاسية للمخطط الشيطانى الذى طال الكثير من الدول العربية الأخرى.
واستمرارا فى هذا المسلسل الذى تلعبه تركيا وقطر، انتقلت أياديهم إلى ليبيا التى تمثل كنزا ضخما لأسباب عديدة، فليبيا تعتبر مسمار جحا بالنسبة لتركيا فى مياه البحر المتوسط الغنى بالغاز الطبيعى، حيث قام رئيس تركيا رجب أردوغان وحكومة فايز السراج الليبية بتوقيع مذكرة تفاهم خرقت كل القوانين الدولية بتخطيها الجزر اليونانية وأهمها جزيرة كريت، إلى جانب أن حكومة السراج نفسها غير منتخبة من الشعب الليبى فهى جاءت باتفاق الصخيرات فى يناير 2016 لمدة 18 شهرا، فى حين يوجد برلمان ليبى منتخب من الشعب ومعترف به دوليا.
الأهمية الثانية لليبيا هى الخيرات الموجودة بها من غاز طبيعى وبترول بكميات ضخمة، بالإضافة إلى صفقات إعادة الإعمار التى من شأنها إنعاش الاقتصاد التركى، فضلا عن صفقات السلاح التركى لليبيا، إلى جانب نقطة لا تقل أهمية عما سبق وهى تصدير القلق والتوتر لمصر عن طريق الحدود الليبية التى تمثل أمنا قوميا للقاهرة.
فصارت تركيا دولة تمارس سياسة “البلطجة” فى المنطقة ولا يقف فى وجهها سوى مصر. فقبل ليبيا، غزت تركيا شمال العراق وشمال سوريا وفى الماضى شمال قبرص واحتلت تلك الأراضى فى انتهاك صارخ لكل الحقوق والقوانين.
لذا عندما ترى أتباع جماعة الإخوان الإرهابية يساندون التحركات التركية فى المنطقة حتى ولو ضد مصر، لا تتعجب، فاللعبة معروفة وأطرافها صاروا مفضوحين، تركيا وقطر وتيارات الإسلام السياسى ومنها الإخوان، فهم ينسجون المؤامرات فى المنطقة وينفذونها لمصالحم الخاصة.
حتى الحبكة الدرامية لهذه الأطراف صارت ساذجة ومشاهدهم التلفزيونية أصبحت مملة، فيجب على أردوغان قبل أن يتحدث بالدين ويجلس أمام الكاميرات ليتلو القرآن الكريم، أن يغلق بيوت الدعارة المرخصة من قبل الدولة والتى تصل إلى نحو 20 ألف بيت لممارسة البغاء.
وعليه قبل أن يتكلم بالفضيلة والدفاع عن الليبيين أن يدافع أولا عن الفلسطينيين المستضعفين منذ عشرات السنين.
وعلى تيارات الإسلام السياسى التى ترى فى تركيا وقطر المنقذ للمسلمين أن تسأل نفسها: “ماذا عن قاعدة إنجرليك الأمريكية بتركيا وقاعدة العُديد الأمريكية بقطر”؟
فبالفعل قد تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.