الإيكونوميست المصرية
لماذا تقدم البنوك المركزية والأفراد على شراء الذهب؟

لماذا تقدم البنوك المركزية والأفراد على شراء الذهب؟

فاطمة إبراهيم
عززت الصين احتياطياتها من الذهب، حيث رفع البنك المركزى الصينى حيازاته بنحو 18 طنا خلال مارس الماضى للشهر الخامس على التوالى.
كما أقدم البنك المركزى الروسى بربط قيمة العملة الوطنية الروسية الروبل بالذهب، مما يثير تساؤلا: لماذا تقبل الحكومات ممثلة فى بنوكها المركزية والأفراد على شراء المعدن الأصفر؟ وهل يمكن أن يعود المعدن الثمين كغطاء للنقود؟
أرجع المصرفيون إقبال البنوك المركزية والأفراد على شراء الذهب إلى أنه يمثل أداة تحوط ضد التضخم الذى وصل لأعلى مستوياته فى العديد من الدول، فضلا عن حالة عدم اليقين والمخاوف الناجمة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمى، والأزمات فى السودان التى تنتج 4% من إنتاج الذهب فى العالم، وأزمة ليبيا، والصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
وأفاد مجلس الذهب العالمى بأن مصر تحتل الترتيب الـثالث عالميا من ناحية أكبر الدول نموا بالاحتياطى الاستراتيجى للذهب لعام 2022، بمعدل 44.6 % على أساس سنوى، حيث ارتفع ليصل إلى 125.5 طن فى عام 2022، بعد أن كان 75 طنا، ويرجع السبب وراء الارتفاع إلى شراء البنك المركزى إنتاج المناجم، ويوجد من 7 إلى 8 مناطق فى مصر غنية بالذهب منها المثلث الذهبى والسكرى وحمش.
وتأتى مصر بعد كل من تركيا والصين، فيما يتبعها كل من قطر والعراق وأوزبكستان بمعدلات نمو بلغت 35 % و33.9 % و33.9 % على الترتيب.
وذكر مجلس الذهب العالمى أن مصر تحتل المرتبة رقم 33 عالميا من حيث امتلاك احتياطيات الذهب برصيد 125.5 طن، كما تحتل المرتبة الثانية أفريقيا بعد الجزائر التى تملك 173.6 طن.
وتنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بصدارة امتلاك احتياطيات الذهب برصيد 8134 طنا، تليها ألمانيا برصيد 3355 طنا، ثم صندوق النقد الدولى برصيد 2814 طنا، ثم بعد ذلك يأتى كل من إيطاليا وفرنسا وروسيا والصين على التوالى، ليسجلوا احتياطيا يتجاوز 2000 طن لكل منهم.
ويعزز شراء البنوك المركزية للذهب احتياطيات الدولة التى تقوم بعملية الشراء، وفى المعاملات النقدية فإن الذهب يعتبر عامل استقرار للعملة الوطنية وللاقتصاد بشكل عام فهو يحد من رغبة السلطة النقدية فى التوسع فى الدين أو الائتمان على النقيض من العملات الورقية التى ساهمت فى حدوث الأزمات الاقتصادية من تضخم إلى كساد وما شابه ذلك، لافتين إلى أنه من المتوقع العودة إلى الذهب كغطاء للنقود ولكن ليس بنسبة 100%، وإنما بنسب متفاوتة.
ولا تعتمد مصر بشكل كبير على احتياطيات الذهب لتكوين الاحتياطيات الدولية الخاصة بها، حيث تميل لتشكيل هذه الاحتياطيات عن طريق النقد الأجنبى، ويشكل الذهب نسبة 22.9% من إجمالى الاحتياطيات الدولية التى يملكها البنك المركزى المصرى.
وأكثر الدول اعتمادا فى احتياطياتها على الذهب، هى فنزويلا والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية بنسب 83% و69.2% و67.1% على التوالى.
وارتفع طلب البنوك المركزية للعام الثانى فى عام 2022، وكان أكبر المشترين فى يناير من هذا العام تركيا والصين وكازاخستان.
كما ارتفع الطلب على الذهب بنحو 18% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 بواقع 3386.5 طن، فيما ارتفع المعروض العالمى بنحو 3% ليصل إلى 3551.1 طن.
من جانبه، أكد أحمد الألفى، الخبير المصرفى أن دور الذهب يتعاظم كمكون أساسى فى الاحتياطيات النقدية لدول العالم المختلفة ولا سيما أثناء أوقات الأزمات المالية والاقتصادية العالمية والإقليمية، فالذهب يعد دائما الملاذ الاّمن سواء للدول أو للأفراد، لذلك تتكالب البنوك المركزية حاليا على تعديل هيكل احتياطياتها النقدية الدولية بإحلال الذهب جزئيا محل الدولار واليورو، وفى مقدمة هذه الدول روسيا التى تعتبر واحدة من أكثر الدول التى تمتلك أكبر الاحتياطيات من الذهب، فضلا عن اعتمادها للذهب كعملة دفع عالمية لصادراتها من البترول والغاز، فالذهب قد يمرض أحيانا ولكن غالبا لا يموت، لذلك من الطبيعى أن زيادة الطلب محليا وعالميا على الذهب فى أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التى تعد بمثابة حرب شبه عالمية.
وأضاف الألفى أنه رغم أن الذهب يعامل كسلعة وليس كعملة، فإنه يتميز بكون قيمته لا تتآكل بمعدلات التضخم المرتفعة مقارنة بالعملات الورقية من جهة، ومن جهة أخرى يستمد قوته من عامل الندرة، فلا أحد يستطيع طباعة الذهب مقارنة بالعملات الورقية، وينطبق ذلك على الفضة أيضا ولكن ليس لها بريق الذهب.
ونوه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت الدولار على العالم كعملة دفع عالمية وعززت ذلك بتسعير البترول والغاز وكل السلع التى تتداول فى البورصات العالمية بالدولار معتمدة فى ذلك على كل من نفوذها السياسى والعسكرى وقوة اقتصادها كأكبر اقتصاد فى العالم، وظل كذلك برغم قرار الرئيس نيكسون الشهير فى عام 1971 بوقف تحويل الدولار إلى ذهب.
وأضاف الخبير المصرفى: “إلا أن الدولار استمر فى هيمنته على حساب الذهب، وساعد فى ذلك انهيار الاتحاد السوفيتى وظهور عالم القطب الواحد، ولكن تحاول روسيا والصين حاليا الحد من الهيمنة السياسية والاقتصادية العالمية للولايات المتحدة، ولكن على حساب الدول النامية التى تقع فى مرمى الاستقطاب السياسى والاقتصادى لهما، نتيجة لذلك فإن الوزن النسبى للدولار الأمريكى فى هيكل الاحتياطيات النقدية الدولية للدول قد تراجع تدريجيا بحيث بات يشكل حوالى 60% منها بعد أن كان فى حدود 80%”.
وقال الألفى إنه على الجانب المحلى ارتفعت أسعار الذهب بشكل مبالغ فيه وبمعدل أعلى من أسعاره العالمية، وهذا الارتفاع مدعوم بعدة عوامل أهمها الانخفاض الكبير فى قيمة الجنيه المصرى مما أفقده كثيرا من جاذبيته الاستثمارية برغم رفع أسعار الفائدة عليه إلى 25% وارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق وتدهور القوة الشرائية للجنيه وبسبب الهلع من التعويم الرابع للجنيه الذى تروج له بشدة كل من الصحافة الاقتصادية العالمية ومواقع التواصل الاجتماعى.
وأضاف أنه فضلا عن تسعير الذهب محليا على أساس سعر الدولار الجنونى والذى يلامس 45 جنيها للدولار فى العقود الآجلة التى تحولت من أداة مالية للتحوط من خطر تقلب سعر الصرف إلى أداة مضاربة كنا ومازلنا فى غنى عنها، فلم تزد سوق الصرف إلا تعقيدا، بالإضافة إلى غياب آليات الرقابة السليمة على كل الأسواق بما فيها الذهب، لذلك سيبقى الذهب مستودعا متزايدا للقيمة وستبقى النقود الورقية التى تستند إلى قاعدة النقد الائتمانية والتى تفتقر إلى الغطاء النقدى السليم مجرد أوراق متآكلة ومتناقصة القيمة ولا تؤدى وظائفها كمستودع للقيمة بكفاءة على المديين المتوسط والطويل.
من جهته، أشار كرم سليمان، مدير عام المعاملات الدولية بالبنك الأهلى المصرى سابقا إلى زيادة أهمية الذهب فى الفترة الأخيرة كملاذ آمن سواء للمستثمرين الأفراد أو الدول، وذلك بسبب زيادة التوتر والقلق على المستوى العالمى حيث الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والصراع فى السودان التى تنتج 4% من إنتاج الذهب العالمى.
وأضاف أن الدول الخليجية والعربية تراجعت الرغبة لديها فى الاستثمار فى الدولار، بعد مصادرة بعض الأرصدة، وأصبحت تستثمر فى الذهب، كل هذه العوامل زادت من أهمية الذهب كملاذ آمن، مشيرا إلى أنه بالنسبة لمصر يفضل الأفراد الاستثمار فى العقار والدولار والذهب، إلا أن العقار يصعب تسييله بسهولة، وشراء وبيع الدولار يعد جريمة خارج البنوك، أما الذهب فبيعه وشراؤه ليس مُجرَّما، ويفضل الأفراد الاحتفاظ به كمخزن للقيمة فى أوقات ارتفاع معدلات التضخم للحفاظ على أموالهم من التآكل، غير أن سعر الذهب فى السوق المصرية أعلى من السعر العالمى بنحو 25%.
وعن إمكانية العودة إلى الذهب كغطاء للنقود بعد انهيار الدولار، وتراجع العملات الافتراضية التى ترتفع أسعارها نتيجة المضاربة عليها، قال سليمان إن الذهب يمثل جزءا من الاحتياطيات النقدية للدول ويعطى ثقلا لهذه الدول، كما أنه يمكن أن يكون الذهب غطاءً للنقود ولكن ليس بنسبة 100%، ويمكن أن يكون بنسبة 60% أو 70% لاسيما أن سعر الذهب مستقر ولا يعانى من تذبذبات.
فيما أوضح طارق حلمى، الخبير المصرفى أنه عند تراجع قيمة الدولار، وفى أوقات الحروب والأزمات، يزداد اتجاه الأفراد للذهب باعتباره مخزنا للقيمة، كما هو الوضع حاليا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة السودان، وأزمة ليبيا حيث يزيد قلق الأفراد وخوفهم من تخفيض الجنيه.
وأشار إلى أن بعض الدول من المتوقع أن تأخذ الذهب كغطاء للعملة مثل الصين والهند ودول البريكس التى ترغب فى إصدار عملة موحدة، مشيرا إلى أن الدول يجب أن ترجع إلى الذهب كغطاء للنقود حتى يكون لها قيمة وليس من الضرورى أن يكون بنسبة 100%، ولكن يمكن أن يكون بنسبة 60% أو 70% ، كما أنه جزء من الاحتياطى النقدى للدول.
وأشار حلمى إلى إقدام البنك المركزى الروسى بربط قيمة الروبل العملة الوطنية الروسية بالذهب وبقيمة ثابتة لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا ودعم لسعر صرف الروبل بعد أن شهد تراجعا حادا فى قيمة صرفه بعد فرض العقوبات على روسيا.
وأضاف أن هذه الخطوة فاجأت الأوساط المالية العالمية وذلك على أثر سلسلة العقوبات التى فرضتها أمريكا والاتحاد الأوروبى على روسيا بسبب الحرب مع أوكرانيا، تلا ذلك طلب روسيا من الدول التى تستورد النفط والغاز أن تدفع قيمة مشترياتها بالروبل الروسى؛ أى بالقيمة المحددة بالذهب وهنا يمكن لنا التنبؤ ببداية ربط سعر البترول عالميا بالذهب مما سيؤدى إلى ارتفاع الطلب فى الأسواق العالمية على الذهب ويشجع الدول المنتجة للنفط على التحول فى بيع منتجاتها من النفط إلى الذهب بدل الدولار.
ونوه حلمى إلى أن هذه الخطوة ستدفع بدول أخرى ذات ثقل اقتصادى مثل الصين والهند والبرازيل إلى التحول إلى النظام النقدى الجديد المدعوم بالذهب بعد أن أصبحت احتياطياتها النقدية المقدرة بالدولار غير آمنة، وقد تكون هذه البداية للتخلى عن الدولار فى المبادلات الدولية والعودة إلى اتفاقية بريتون (Bretton) التى أبرمت فى عام 1944 وعلى أثر الحرب العالمية الثانية وبحضور 44 دولة بهدف إيجاد نظام نقدى عالمى جديد لتجاوز آثار الحرب على الاقتصاد العالمى وتأمين الاستقرار وعوامل النمو له، حيث تعهدت أمريكا بموجب هذه الاتفاقية بتحويل قيمة الدولار إلى الذهب؛ أى ربط الدولار بالذهب إلا أنها تخلت عن هذا الالتزام فى العام 1971 ولم يعد الدولار يرتبط بالذهب.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *