الإيكونوميست المصرية
أنا وخالو صفوت وسارتر……….بقلم: نيفين إبراهيم

أنا وخالو صفوت وسارتر……….بقلم: نيفين إبراهيم

بقلم: نيفين إبراهيم
كنت فى حفل استقبال، وتطرق محدثى إلى سارتر والوجودية، وتناقشنا بعمق، فقال لى إنه لم يتوقع أبدا أن أكون على دراية أصلا بهذا الفيلسوف الوجودى.. ابتسمت وعدت بذاكرتى للوراء، وقت أن كنت فى الجامعة، وذهبت إلى خالى- الذى كان لى بمثابة الأب والمعلم والصديق- وقلت له، فلان معجب بى وبصراحة أنا أيضا معجبة به جدا ويريد أن يتقدم لخطبتى بعد أن ينتهى من دراسته الجامعية، وكان فلان هذا من كلية مختلفة ويعيش فى دور المثقف الثائر الشاعر المختلف عن كل أقرانه.. وقتها سألنى خالى: وأنتِ عرفتِ منين أنه مثقف؟، فقلت له بانبهار ساذج: يتحدث فى موضوعات لا يتحدث فيها غيره.. كلنا نتحدث عن محفوظ وإحسان وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وشكسبير بينما يتحدث هو عن الوجودية وسارتر.. صمت خالى لبرهة، وفكر قليلا ثم قال: طب علشان تقدرى تحكمى إن كان مثقفا حقيقيا ولا قشرة، لابد أن تقرأى سارتر وأن تعرفى فكره وإلا فكيف ستضمنى إن كان حكمك صحيحا أم لا؟ واتفق معى على أن نذهب سويا لوسط البلد، وجبنا المكتبات كلها واشترينا كل ما يتعلق بسارتر وكتاباته وما كتب عنه، ووضع لى خالى برنامجا زمنيا لمناقشة ما أقرأه معه، والتزم كلانا بالاتفاق.
وبدون الدخول فى الكثير من التفاصيل، عرفت بعد العديد من القراءات أن سارتر كان مثقفا تمكن من تغيير وضعية المثقف وعرفت أنه لا يمكن أن تقرأ سارتر دون أن تتعرف على ألبير كامو وسيمون دى بوفوار وعرفت أن البعض كان ينعت ألبير كامو بأنه تقليدى، بينما كان بعض المثقفين الآخرين يرون أن كل جديد كان يأتى من سارتر، فقد كان يطرح دائما الموضوعات الجديدة وكان له أسلوب مبتكر وطريقة جديدة فى طرح المشاكل، أغلبها كانت شرسة وطاحنة.
ابتعد سارتر عن كل نزوع متكبر نحو الفضيلة، لم يكن نموذجا أو منحنى فكريا أو مثالا يحتذى به، كان متجددا كمجرى هواء، كان مفكرا حرا والمفكر الحر يحتاج إلى عالم ينطوى على حد أدنى من الفوضى.
أما ألبير كامو فلم يدعِ أبدا أنه فيلسوف لأنه من وجهة نظره كان يفكر بمقتضى الكلمات وليس بمقتضى الأفكار.. بينما يعتبر سارتر واحدا من زعماء رتل الفلسفة الوجودية، تعددت صفات ألبير كامو بين الفنان كما كان يقول عن نفسه دائما، والأديب كما يصنفه البعض، والفيلسوف كما كان ينعته آخرون، كان صاحب أثر فكرى غير مجريات التفكير العالمى فى مناح تاريخية عدة.. لا شك أن ألبير كامو كان فنانا نبذ العنف بكامل أشكاله ورأى فى المتمرد بديلا عن الثورى؛ فالأول يعمل عقله والآخر يعقلن القتل.. ويجد له مبررا.
ارتبط سارتر بشكل كبير بالشيوعية، وكان ألبير كامو ضد هذا لأنه ندد بالفظاعات المرتكبة فى الاتحاد السوفيتى الاشتراكى، وكان كامو يؤكد دائما أن التمرد هو جزء لا يتجزأ من القضايا الأساسية لفكر أى كاتب، ويردد باستمرار: “أنا أتمرد إذن أنا موجود”.
وفهمت وعرفت أن الصدام الذى حدث بين سارتر وصديقه المثقف كامو، كان صداما أيديولوجيا.. فكتاب “الرجل المتمرد” الذى ألفه كامو سنة 1951، أثار استياء الشيوعيين، وساد القلق والتوتر علاقة سارتر وكامو عندما سمح سارتر للفيلسوف السارترى “فرنسيس جونسون” بنشر مقال فى مجلة الأزمنة الحديثة (مقال يسخر فيه بدهاء من كتاب الرجل المتمرد ومؤلفه كامو)..وكانت هذه هى نهاية علاقة الصداقة بين سارتر وكامو.
تم منح جائزة نوبل للآداب لألبير كامو سنة 1957 وقبلها على مضض قائلا إن أندريه مالرو يستحقها أكثر منه، وفى عام 1964 وجد جان بول سارتر نفسه مكرما بجائزة نوبل ولكنه رفضها.
بعد موت ألبير كامو قال سارتر فى نعيه له: “إنه واحد من القوى الرئيسية فى مجالنا الثقافى، لم تمنعنى القطيعة من التفكير فيه”، وقالت سيمون دى بوفوار وكانت الصديقة التى عاشت مع سارتر كزوجة ولكن لم تتزوجه: “كنا نجد فى صحبته مصدرا للسعادة والاستمتاع والمرح، رأينا فى علاقتنا به صفقة كبيرة إذ تبادلنا قصصا لا حصر لها، هذه العلاقة التى جمعت بين ثلاثة انقطعت سريعا بفعل خلافات فكرية تتعلق بقضايا جوهرية فى أسلوب الفكر”.
بعد أن تعرفت على سارتر مؤلف مسرحية الذباب وفكره وفكر عصره، كنت تقريبا قد نسيت المحب الذى تسبب فى كل هذا البناء الثقافى.. وكلما سمعت عنه الآن، ابتسم فى صمت وأقول لنفسى ربما لا يعرف عن سارتر مثلما عرفت.
فى كتب التاريخ وفى الحياة اليومية وفى كل الأزمنة، توجد دائما هذه العلاقات التى كانت متوهجة وكانت تضيف لنا الكثير من البهجة والسعادة والمرح، وفجأة يأتى صدام فكرى أو صراع أيديولوجى أو غيرة مهنية ليقتلها، فيموت شىء ما داخلنا.. فالحياة بدون تنوع تصبح بلا معنى، فالتعايش مع الخلاف قيمة إنسانية جميلة، ولكن النفوس البشرية ضعيفة، والإنسان مازال عاجزا عن استيعاب الخلافات الفكرية واحتوئها والتعايش معها.. فسلام على المحب الذى نسيته تماما بعد عام من قراءة الوجودية، إذ لم أحب فكره ولم أحب انبهاره بالوجودية، وكل الشكر للخال الذى تعامل مع الأمر بحرفنة تحسب له وتصلح أن تكون مادة لفيلم كوميدى ساخر.

Related Articles