بقلم: محمد فاروق
الاسم القديم لإثيوبيا هو “الحبشة”، وهو اسم مشتق من لفظ “حبشت” الذى ورد فى التوراة بمعنى الأجناس المختلطة والمختلفة، ومن هنا يبدأ الحديث عن إثيوبيا التى تضم عرقيات متعددة قابلة للاشتعال السريع فى أى لحظة.
فإثيوبيا هى ثانى أكبر دولة فى أفريقيا بعد نيجيريا من حيث عدد السكان البالغ نحو 110 ملايين نسمة، لكنهم يتمزقون بين أكثر من 80 عرقية مختلفة، لدرجة أنه تم تقسيم إثيوبيا لمناطق إدارية وفقا للأساس العرقى، ويأتى على رأس تلك العرقيات قبائل “أورومو” التى تمثل نحو 35% من السكان وتعيش فى منطقة “أوروميا” بوسط إثيوبيا، ثم “أمهرة” التى تمثل حوالى 27%، ثم العرقية الصومالية 6%، و”تيجراى” 6%، إلى جانب مجموعات عرقية أخرى عديدة.
هذه التركيبة غير المنسجمة بين العرقيات المختلفة تضع إثيوبيا دائما تحت ضغط اندلاع حروب أهلية وصراعات داخلية قد تطيح بأى حاكم وأى نظام.
وبالنسبة للوضع السياسى فى إثيوبيا، فإنها جمهورية برلمانية اتحادية، حيث إن رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلى للبلاد، ويعد “أبى أحمد” أول رئيس وزراء من عرقية “الأورومو” وهى عرقية والده المسلم، فى حين أن أمه مسيحية من عرقية “أمهرة”.
وسر نجاح أبى أحمد ووصوله لرئاسة الوزراء فى أبريل 2018 هو ما أبداه من قدرة على التوفيق بين العرقيات المختلفة، غير أن هذا الوضع تغير كثيرا الآن حيث أعادت تلك العرقيات تنمرها وإظهار ضغائنها لبعضها البعض مما يهدد برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يقوده رئيس الوزراء الإثيوبى وربما يهدد استمراره هو شخصيا وينذر بسقوطه فى الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها العام المقبل، حيث يبدو أن العنف العرقى صار أقوى من محاولات أبى أحمد، فقد اندلع فى مناطق متعددة فى البلاد كان آخرها فى معقله شخصيا “أوروميا” التى تمثل خسارتها بالنسبة لرئيس الوزراء خسارة فادحة وفقدان قاعدة شعبية قوية قادته للحكم، فقد وقعت هناك مظاهرات مؤيدة لحليف أبى أحمد السابق الناشط الإثيوبى “جوهر محمد” سقط فيها عشرات القتلى، وينتمى جوهر لجماعة “الأورومو” العرقية مثل أبى أحمد، وكان قد نظم احتجاجات أدت إلى تغييرات سياسية قادت أبى أحمد للوصول للحكم، لذا يعتبر شباب “الأورومو” ما يحدث لجوهر من ملاحقات الآن نكران جميل من أبى أحمد.
ولم يستبعد جوهر منافسة أبى أحمد على منصب رئيس الوزراء فى الانتخابات البرلمانية القادمة، وأكد أن مؤيديه لم يعودوا يصدقون وعود أبى أحمد الإصلاحية واتهمه بالمركزية فى الحكم وقمع المعارضة وسجن المعارضين السياسيين مثلما كان يفعل سابقوه.
وقبل تلك الصدامات، وقعت موجات عنف أخرى فى ولاية “أمهرة” قتل على إثرها مسئولون حكوميون ورئيس أركان الجيش الإثيوبى.
إذن فمظاهر الإصلاحات التى قادها أبى أحمد تخفى وراءها نارا عرقية وقضايا ملتهبة، فالخلافات الواقعة حاليا بين القوميات المتعددة فى إثيوبيا تتعلق بطبيعة المشروع الإصلاحى نفسه لرئيس الوزراء الإثيوبى الشاب، حيث يقوم بعملية إحلال للنخب الحاكمة ويجرى تغييرات فى صفوف الجيش وأجهزة المخابرات مما أوجد له الكثير من الأعداء.
وإن لم يكن “أبى أحمد” وراء انقسامات بلاده، إلا أن من يتقلد مقاليد الحكم عليه أن يواجه تلك الألغام ويتعامل معها قبل أن تنفجر وتفتك بالدولة، فالنظام القائم على الأعراق يتطلب الموازنة بين كل الأطراف، وإذا فشل فى معالجة المشاكل البنيوية فسينتهى الأمر إلى حرب أهلية مدمرة.
لذلك فإثيوبيا، التى تسمى ببرج المياه لما تمتلكه من أنهار عديدة تنبع من أراضيها المرتفعة، قد لا تكفيها مياهها المتدفقة فى إطفاء حرائق صراعاتها العرقية، فهل سيستطيع أبى أحمد الاستمرار فى السير على حد السيف والموازنة بين العرقيات المختلفة؟ هذا السؤال ستجيب عنه الأيام القادمة وما تحمله من أحداث فى إثيوبيا الممزقة عرقيا.
وإذا كان المصريون يتابعون الآن باهتمام سد النهضة الإثيوبى لما سيلحقه من أضرار بحصة مصر من المياه، فعليهم أيضا متابعة البركان النشط المتوقع أن يثور فى أى لحظة ويلقى بحممه الهائجة فى جميع ربوع تلك الدولة السمراء، وحينها لن يستطيع إيقافه أعتى سدود العالم.