الإيكونوميست المصرية
إعلانات – بقلم م. وائل علما

إعلانات – بقلم م. وائل علما


فى الفترات الطويلة التى أقضيها فى الطريق مثل كل ساكنى القاهرة، بدأت فى ممارسة هواية جديدة وهى متابعة إعلانات الطرق، وتباعا بدأت فى التركيز على هذه الإعلانات فى كل المدن التى أزورها خارج مصر، ومحاولة معرفة سلوك واهتمامات الشعوب المختلفة من نمط هذه الإعلانات.
كانت الملاحظة الأولى هى أن أعداد إعلانات الطرق المصرية قد زادت بصورة كبيرة مؤخرا وأن أكثر من نصف هذه الإعلانات هى إعلانات لمشاريع عقارية جديدة، وفى تقديرى أن تلك المشاريع لا يستطيع 90% على الأقل من المواطنين الاقتراب منها، والسمة العامة فى جميع هذه الإعلانات أنها باللغة الإنجليزية ولا يوجد منها غير النذر اليسير باللغة العربية، والحق أنى لم أجد نفس هذا النمط فى أى دولة أخرى غير لبنان.
وأعتقد أن هذا الاهتمام الفريد بالعقارات هو موروث مصرى أصيل، فالمصرى مهووس بتملك العقارات، فهو إذا أراد فتح متجر أو مطعم فأول ما يفعله هو محاولة شراء محل، وإذا أراد فتح شركة فقد ينفق جزءا كبيرا من رأس ماله فى شراء مكتب، إضافة إلى تطلعه إلى اقتناء كل ما يستطيع من عقارات بصرف النظر عن إمكانية استغلالها أو تأجيرها، وهو ما انعكس على وجود وحدات عقارية لا حصر لها مشتراه وغير مسكونة، وقد لاحظ هذا الوضع صديق أمريكى فقال لى أنتم تعيشون فقراء وتموتون أغنياء، ونحن نعيش أغنياء ونموت فقراء. ولكنها فى النهاية اختلاف الثقافات والأولويات.
من جهة فإن الرواج العقارى يخلق فرص عمل كثيرة وهو أمر عظيم، لكن من جهة أخرى فإنه يسحب السيولة من الأسواق، وبحكم كونى لست خبيرا فى الاقتصاد فلا أدرى كيف يكون التوازن بين الأمرين، فقط أخشى ما أخشاه هو حدوث فقاعة عقارية خاصة فى ظل فوائد الإقراض المرتفعة، وأعتقد أنه من المنطقى أن اجتذاب مشترين من خارج البلاد يضخون أموالا جديدة Fresh Money فى المنظومة الاقتصادية هو أمر مفيد جدا، وهو ما تنبهت إليه بعض الدول مثل البرتغال واليونان ومالطا حين أوجدت أنظمة تسمح للأجانب بالحصول على إقامات حال شرائهم عقارات بحد أدنى من المبالغ.
الملاحظة الثانية كانت فى شهر رمضان حيث تتحول دفة المنظومة الإعلانية للدعاية لهيستريا المسلسلات، والتى أصبحت تعكس نسبة كبيرة من الجرأة لا تتناسب مع وقار الشهر الكريم، بل ويزداد معدلها عاما بعد عام، إضافة إلى البرامج الموسمية السمجة مثل برنامج المقالب الأشهر الذى يتفوق على نفسه فى السخافة كل عام، والعجيب أنه يحقق أعلى نسبة مشاهدة!
لاحظت أيضا افتقاد الأمان فى بعض إعلانات الطرق، فعدم إحكام بعضها أحيانا ما يؤدى إلى سقوط بعض الأجزاء بسبب الرياح أو الأمطار، ناهيك عن الشاشات مبهرة الإضاءة حين توضع بعرض الطريق فتؤثر بصورة كبيرة على الرؤية.
وفى إطار الحديث عن عالم الإعلانات فلا يمكن إغفال الثورة الإعلانية التى تولدت مع سيطرة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى على حياتنا، فصارت درجة نجاح هذه النوعية من الإعلانات تقاس بالقدرة على جذب الانتباه خلال الثانية الأولى من الإعلان، وهو نمط مختلف وعالم جديد بالتأكيد لا يستطيع أن يبتكره ويبدع فيه غير الأجيال الجديدة.

Related Articles